والثاني : (عَلى قَلْبِكَ) أي : لا يذهب عنه ، بل الله يجمعه في قلبك ؛ كقوله : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ).
أو أن يكون قوله : (عَلى قَلْبِكَ) أي : يثبته على قلبك لقولهم : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) [الفرقان : ٣٢].
أو أن يكون قال ذلك لما انتهى إلى قلبه وحفظه غاية حفظه قال : (عَلى قَلْبِكَ) ؛ كأنه ألقي في قلبه وكذلك يقال.
وقوله : (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) : كأنه ـ والله أعلم ـ على التقديم والتأخير يخرج ، أي : نزل به الروح الأمين على قلبك بلسان عربي مبين لتكونن من المنذرين.
والباطنية يقولون : أنزله على رسوله كالخيال غير موصوف بلسان ، ثم إن رسوله أداه بلسانه العربي المبين أي : بينه ، لكنه ليس كذا ؛ لأنه قال في آية أخرى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) ؛ فيبطل قولهم : إنه أداه بلسانه عربيّا من غير أن أنزله كذلك ، ولو كان على ما يقوله الباطنية : إنه لم ينزله بهذا اللسان ـ أعني : اللسان العربي ـ وأن الرسول هو الذي صيره بهذا اللسان وأداه به لكان لا يصير جوابا لقولهم : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [النحل : ١٠٣] ، ولا حجة عليهم ، فإذا ذكر هذا جوابا لقولهم وحجة عليهم ؛ دل أنه إنما أنزل عليه عربيّا ، وأن تأويل الأول ما ذكرنا على التقديم والتأخير.
وقوله : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) : قال بعض أهل التأويل : وإنه ـ أي : نعت محمد وصفته ـ كان في كتب الأولين.
وجائز أن يكون قوله : (وَإِنَّهُ) أي : هذا القرآن كان ذكره في كتب الأولين أنه ينزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا أن عينه كان فيها.
أو أن كان بعضه في زبر الأولين لا الكل ، والله أعلم.
وقوله : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) : قال بعض أهل التأويل : أو لم يكن لهم محمد آية أن علماء بني إسرائيل كانوا يعلمون أنهم يجدونه مكتوبا عندهم في الكتب.
لكن تأويله : أو لم يكفهم علم علماء بني إسرائيل آية أنه رسوله. ثم الآية تكون بوجهين :
أحدهما : ما ذكر أن أهل مكة أرسلوا إلى اليهود بالمدينة يسألونهم عن رسول الله ، فأخبروهم عنه أنه يخرج في وقت كذا ، وأن نعته كذا ، وهذا وقت خروجه.
والثاني : يقول : أولم يكفهم آية إسلام علماء بني إسرائيل وفقهائهم أنه رسول نحو ابن