وكذلك قوله : (الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) [فصلت : ٧] : لا يقبلونها ولا يقرون بها ليس على فعل الإيتاء ، فعلى ذلك الأول يحتمل هذا.
والثاني : يحتمل الأمرين جميعا : القبول والإقرار بها والإيتاء جميعا ، أي : إذا قبلوها وأقروا بها وأعطوها ـ فحينئذ يستوجبون هذه البشارة التي ذكرت.
وقوله : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) : الإيقان بالشيء : هو العمل به من جهة الاستدلال والاجتهاد ، والأسباب التي يستفاد بها العلم بالأشياء لا العلم الذاتي ؛ ولذلك لا يوصف الله على الإيقان بالشيء ولا يقال : يا موقن ؛ لأنه عالم بذاته لا بالأسباب ، وبالله التوفيق.
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) : الأعمال التي هم فيها بما ركب فيهم من الشهوات والأماني.
ويحتمل (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) الأعمال التي هي عليهم ، أي : زين لهم الخيرات والطاعات ، لكنهم أبوا أن يأتوا بها ؛ فالمعتزلة قالوا بهذا التأويل ، وأبوا أن يقولوا بالأول أن يكون من الله تزيين ما هم فيه من الشرك والكفر وأنواع أفعال الكفر ؛ إذ أضاف تزيين ذلك إلى الشيطان حيث قال : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) [النمل : ٢٤] ، وقال : (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ) [محمد : ٢٥] ، ونحو ذلك من الآيات ، فقالوا : أضاف إلى الشيطان ، ولا يجوز أن يضاف إلى الله ذلك بعينه ؛ فدل أن الله إنما زين لهم أعمالهم التي عليهم من الإيمان والخيرات ، لا الأعمال التي هم فيها.
لكن عندنا يجوز إضافة تزيين أعمالهم التي هم فيها إلى الله من جهة ما ركب فيهم من الشهوات والأماني التي توافق طباعهم وأنفسهم ؛ لأن التزيين يقع بنفس الكفر وأفعاله ؛ إذ الكفر نفسه ليس بمزين ولا مستحسن ، إنما هو شتم رب العالمين ، ولكن تزيينه واستحسانه هو موافقة ما يعمل من الأعمال طباعه والجهة التي تضاف إلى الله ؛ إذ الجهة التي تضاف إلى الشيطان هو دعاؤه وتمنيه إلى ما يوافق طباعهم ؛ فمن هذه الجهة يجوز إضافته إلى الشيطان ، والجهة التي تضاف إلى الله هو ما ركب فيهم من الشهوات والأماني وجعل الطباع موافقة لها ، وإلا الصدق وجميع الخيريات إنما يكون مزينا مستحسنا في العقل للعاقبة ، والكفر وجميع المعاصي مستقبح في العقل للعاقبة إذا حمد أحدهما وأثيب على فعله ، وذم الآخر وعوقب لسوء اختياره.
أو أن يكون إضافة ذلك إلى الله لما خلق أفعالهم وأعمالهم التي عملوها ، وأخرجها من العدم إلى الوجود ، وهي من هذه الجهة فعله ، وهو يرد قولهم في إبائهم خلق أفعال العباد.