وإنما عادة العرب إذا قالوا عمن يريدون إكرامه إنه عندي أي عند كرامتي وعنايتي والقرب من محبتي ونعمتي ونحو هذا وما يريدون أن عندي بمعنى المسافة ولا بمعنى الذي ذكره.
أقول وأما قول الجبائي ويجوز أن يكون عنى بذلك أنهم عند الله أحياء على أنه يعلمهم أحياء فهو تأويل عجيب منه وجهل بما قدمه لأنه قدم أن الله عنى ما ذكره أولا فإذا كان قد علم لأن الله عنى ذلك المتقدم فكيف بقي يجوز للجبائي أن يقول معنى آخر ويقول إنه عناه لو لا غفلته وتهاونه في تفسيره.
أقول ولو لا كان المراد أن الله جل جلاله يعلمهم أحياء ما كان كذلك زيادة على ما يعلم تعالى من حياة الكفار وحياة غير الشهداء والآية إنما تضمنت وجوها من الإكرام للشهداء فلا بد أن يكون قوله تعالى (أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) متضمنا لنوع من إكرامه تعالى للشهداء.
أقول وقوله جل جلاله بعد هذه الآية ـ (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ـ كيف خفي عن الجبائي أن هذه الأوصاف تقتضي أن الشهداء أخرجوا من قبورهم إلى مقام من الإكرام يليق بهذا الوصف من الإنعام لقد كان اللائق به أنه لا يشغل نفسه بتفسير القرآن ويقتصر على ما هو أسلم وأليق للعقول والأفهام
فصل فيما نذكره من الجزء الرابع وهو ثاني المجلد من الوجهة الثانية من القائمة الثانية من الكراس الخامس من تفسير الجبائي بلفظه أما قول الله سبحانه وتعالى ـ (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) فإنما عنى به اليهود الذي ذكرهم في الآية الأولى قبل هذه الآية وأراد بقوله (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) بل يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله وعنى بذلك رسول الله (ص) وأصحابه المؤمنين لأن اليهود كانوا يحسدونهم على ما آتاهم الله من نبوته