على الأسرار حتى يصير العبد المكلف مستمرا يتصرف تصرف الحمار
فصل فيما نذكره من الجزء الثالث من التبيان من الوجهة الثانية من القائمة الأولى من أول كراس من الجزء السادس والعشرين من أصل المجلد الثاني منه قوله جل جلاله ـ (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) قال (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) أي ألهمناها وقذفنا في قلبها وليس بوحي نبوة في قول قتادة وغيره وقال الجبائي كان الوحي منام عبر عنه من يثق به من علماء بني إسرائيل وقوله (أَنْ أَرْضِعِيهِ) أي ألهمناها إرضاع موسى (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) فالخوف توقع ضرر لا يؤمن منه وقال الزجاج معنى (أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) أعلمناها وقوله (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) أمر من الله تعالى لأم موسى أنها خافت على موسى من فرعون أن ترضعه وتطرحه في اليم واليم البحر يعني به النيل (وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي) نهي من الله لها عن الخوف والحزن فإنه تعالى أزال خوف أم موسى بما وعدها من سلامته على أعظم الأمور في إلقائه في البحر الذي هو سبب الهلاك في ظاهر التقدير لو لا لطف الله بحفظه حتى يرده إلى أمه ووعدها أنه تعالى يرده عليها بقوله (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) ووعدها أيضا أن يجعله من جملة الأنبياء المرسلين بقوله (وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
يقول علي بن موسى بن طاوس واعلم أن من أسرار الله جل جلاله في هذه الآية أنه أرانا جل جلاله أنه قوى قلب امرأة ضعيفة وهي أم شفيقة وليس لها إلا هذا الولد الواحد على أن تلقي ما هو أعز عندها من مهجتها في البحر ووثقها من وعده الشريف حتى سمعت وبذلت قطعة كبدها وسويداء قلبها وروح روحها في هول البحر العنيف وأرانا جل جلاله أن يعقوب يكون له اثنا عشر ابنا ذكرا فقد واحدا منهم وهو أصغرهم وقد كان عنده علم من سلامته ونبوته يقول يعقوب (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) فجرى ل يعقوب من الحزن والجزع وذهاب البصر حتى