ما كان على أداء الواجبات التي تشق على النفس ويحتاج إلى التكليف والثاني ما هو مندوب فإن الصبر عليه مندوب إليه والثالث مباح جائز وهو الصبر على المباحات التي ليست بطاعة الله.
يقول علي بن موسى بن طاوس اعلم أن ظاهر هذه الآية يقتضي تعظيم الدعاء لله بالغداة والعشي وتعظيم الذين يعملون ذلك خالصا لوجه الله تعالى فإن مقام الرسالة من أبلغ غايات الجلالة فإذا أمر الله تعالى رسوله وهو السلطان الأعظم (ص) أن يصبر نفسه الشريفة المشغولة بالله مع الدعاة بالعشي والغداة وصار المتبوع المقتدى به كالتابع والجليس والملازم لها ولا بطريق ما خصهم بين إخلاص الدعاء في الصباح والمساء فقد بالغ جل جلاله في تعظيم هذا المقام بما يقصر عن شرحه لسان الأقلام والأفهام.
أقول وأما قول جدي الطوسي إن الصبر ثلاثة أقسام كما ذكرناه عنه فإذا كان الصبر كما فسره أنه على ما يشق فأي مشقة في المباح حتى يدخل تحت لفظ الصبر عليه وكيف يكون كما ذكره غير طاعة ويشتمل أمر الشرع بالصبر عليه وهل إذا اشتمل عليه حكم الشرع يبقى له حكم الإطاعة أما واجبا أو ندبا وقد كنت ذكرت في عدة مواضع من تصانيفي أن هذا القسم الذي ذكره كثير من المسلمين أنه مباح للمكلفين وخال من أدب الله عليه نعمة لله فيه وتدبير الله في بعض معانيه إنني ما وجدت هذا القسم بالكلية للعقلاء المكلفين بالتكاليف العقلية والشرعية وإنما يصح وجوده لمن هو غير مكلف من البشر ومن الدواب وربما لا يتوجه إليهم أيضا تحقيق الإباحة في الخطاب بل يكون لفظ الإباحة لغير العقلاء المكلفين مجازا لأنهم غير مخاطبين وإلا فجميع ما جعل الله جل جلاله لعباده ذوي الألباب عليه شيء من الأوامر والآداب وهو يخرجه عن حد المباح العاري من الخطاب المطلق الذي لا يفيد بشيء من الأسباب لأن الله جل جلاله حاضر مع العبد في كل ما يتقلب فيه ويطلع عليه والعبد لا يخلو أبدا أنه بين يدي مولاه ومحتاج إلى الآداب بين يديه فأين الفرار من المطلع