الإلهية أن تثبت قانون الفطرة ، وأن تمنحه سندا متينا ، وذلك بعد أن تستخلصه بكل نقائه ، وطهارته.
ويجب أن يبدأ مشروع هذا التّطهير المسبق ـ بداهة ـ بمنع ضلالات العقل المزعوم قبل وقوعها ، وبإيقاظ الضّمير النّائم تحت أنقاض الأوهام. يقول تقي الدّين ابن تيمية : «إنّ الرّسل إنّما بعثت بتكميل الفطرة ، لا بتغيير الفطرة» (١) ، وإنطلاقا من هذه الفكرة يمكن القول بأنّ الأطر الّتي سوف تثبتها هذه الشّريعة الإيجابية حتّى تتيح للضمير الفردي أن يمارس حقّه بطريقة حرّة ، ومشروعة ـ هذه الأطر سوف تكون منطلقا ، لا لما هو من باب الحلال ، والحرام فحسب ، بل وفي الوقت نفسه ، لما هو معقول حقا ، وما ليس كذلك. فما يضاد النّقل سيكون كذلك مضادا للعقل ، وكما قال ابن تيمية : «وكلّ ضلالة فهي مخالفة للعقل ، كما هي مخالفة للشرع» (٢).
وعلى هذا النّحو ، فإنّ هذه الشّرعية الدّينية لم تأت لتحل محل الأخلاقية ، ولا لتضادها ، بل هي تفترضها ، وترجع إليها دائما. ولقد رأينا في الواقع مدى العناية الّتي يلتزم بها القرآن ، وهو يصوغ أوامره ، فهو يحرص على مطابقتها للعقل ، وللحكمة ، وللحقيقة ، وللعدالة ، وللإستقامة ، إلى جانب قيم أخرى ، يتكون منها بناء الضّمير الأخلاقي ذاته.
__________________
(١) انظر ، منهاج السّنّة ، لابن تيمية : ١ / ٨٢ ، هكذا وردت فيه ، وذكر المؤلف أنّ النّص : (لتكميل الفطرة لا لتغيير الفطرة) باللام بدل الباء ، وهو خطأ. «المعرب».
(٢) انظر ، منهاج السّنّة : ١ / ٨١ ، وبدء العبارة (وفرعوا في صفات الله ، وأفعاله ما هو بدعة مخالفة للشرع ، وكلّ بدعة ضلالة ...) «المعرب».