تقديراتنا الأخلاقية أن نقرر أنّ آراءنا الباطنة لا تأثير لها في أعمالنا الظّاهرة ، ولكنا لا نذهب في هذه الطّريق إلى حدّ إلغاء قيمة هذه الأعمال. فمهمة الفلسفة الأخلاقية الّتي تريد أن تبقى قريبا من «أحداث الضّمير» الّذي تفسره ـ سوف تنحصر إذن في استخلاص ألوان هذا الشّعور العادل ، وإبرازها ـ بالرغم مما يشوب هذا الشّعور من غموض ـ ثمّ ترسم لها الحدود بقدر ما تستطيع من دقة.
فكيف حاول كبار الأخلاقيين المسلمين أن ينهضوا بهذه المهمة؟ ... وبم يتعلق الأمر أخيرا ..؟ ..
إنّ هناك بالنسبة إلى من يتخذ قرارا أخلاقيا أربع حالات ممكنة : فهل هو يريد أن يعمل طبقا للقانون ، أو على الرّغم منه؟ ... وفي كلتا الحالين ، هل طريقته في العمل ذاتها موافقة لما يأمر به القانون؟ .. أو هي عكس ما يأمر به؟ ..
فلنترك جانبا الحالات الّتي ينفق فيها حكمه مع الواقع ، إذ لا توجد في هذا الفرض أيّة صعوبة تواجه الأخلاقي. ولنقف عند الحالات الّتي يتباين (١) فيها الذاتي من الموضوعي ، فأي الرّأيين يجب أن نتخذ منه مقياسا للتقدير؟ .. أهو طريقتنا في تصور هذا العمل ، أو ذاك ، ووجه حكمنا على اتفاقه ، أو تعارضه مع القاعدة ، الّتي تقرر نهائيا قيمة سلوكنا ، والّتي تطبع عليه طابعها الأخلاقي؟ ..
__________________
(١) سوف نعالج فيما بعد نوعا آخر من الإنحراف الّذي يتمثل ، لا في جهل الصّفة الشّرعية للعمل في ذاتها ، بل على وجه التّحديد في إرادة استعمال هذه الشّرعية حرفيا لإخفاء عملية أخرى يحرمها الشّرع. وتلك هي الحيل الّتي يستعملها بعض رجال الأعمال ، من أجل أن يحللوا الرّبا ، والغش فيما أحلّ الله ، ففي هذه الطّريقة في النّظر نجد أنّ الإختلاف لا ينصب على الموضوع المباشر ، بل على غاياته ، وإنّا لنرجىء دراسته إلى القسم الثّاني من هذا الفصل ، حيث سيكون موضوع بحثنا أن نتناول نيتين ، تتبع إحداهما الأخرى (انظر ، فيما بعد ٢ ، ٥ ، ٣).