لا يلبث أن يتحد معها خلال الزّمن. والواقع أنّ العنصرين متضامنان تضامنا وثيقا في شعورنا كما يتضامن عضوان في كياننا. وكما أنّه في الأحوال العادية ، لا تعمل الخلية مطلقا وحدها ، ولحسابها الخاص ، فكذلك قدرتنا على القرار قلما تدعي أنّها تضع اللّمسة الأخيرة في المشروع العملي ؛ فهي تعترف لنفسها بالنسبة إلى قدرتنا على التّنفيذ ، بمكان الرّائد الّذي يمهد الطّريق للجندي الحقيقي. وهي لا توقف خطة العمل من أجل أن تتوقف فيه لحظة واحدة ، بل من أجل أن تمضيه صراحة إلى مجال التّنفيذ مباشرة ، وهو وحده موجد الخير الموضوعي المقصود.
وثاني التّحديدات : أنّه ما دام العمل الباطني لا يشتمل على بداية للفعل ولو في صورة هزة عضلية ، أو مخية ـ فمن الممكن شرعا أن نسأل أنفسنا عما إذا كان قد تجاوز نهائيا مرحلة تكون الأفكار النّظرية ، ومرحلة التّأمل الجمالي ، ليدخل إلى مجال الممارسة الأخلاقية ، أو حتّى مجال الممارسة وحدها ، أعني : مجال الإرادة ، والله يقول : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) (١) ، ذلك أنّ الإرادة هي ، بالمعنى الحقيقي ، أن نتحرك حركة انتشارية ، تنطلق من الفكرة ، متجهة نحو العمل.
والإرادة هي التّوجه من المثالي إلى الواقعي ، وعلى هذه المسيرة من الباطن إلى الظّاهر ، ومن الشّعور إلى التّجربة ، يوجد الفعل الأخلاقي.
هذا الفعل ليس حالة سكونية (ستاتيكية) ، عبادة في خلوة ، حبيسة في دير القلب ، إنّه وثبة حيّة ، وحركة ذات انتشار ، نقطة انطلاقها في الدّاخل ، ونقطة
__________________
(١) التّوبة : ٤٦.