نحو التّنفيذ ، وبذلك يختنق عمل الإرادة في المهد ، إذ أنّه من التّناقض أن نريد ما لا يمكن إرادته.
وإمّا أن تفاجئنا هذه الإستحالة بعد أن اتخذنا القرار ، وحينئذ ، يا لها من خيبة أمل يشعر بها الإنسان الفاضل في انتظاره للقيمة الموضوعية الّتي جدّ في طلبها!! .. إنّ هذا «الدّش» (١) البارد الّذي يتعرض له حماسه أمام مشهد شرّ يريد منعه ، أو مشهد خير يرجو صنعه ـ سوف يكون مؤلما ، بقدر ما كان اهتمامه بتحقيق مثله الأعلى عظيما ، وبقدر ما كانت الحفاوة الّتي أعدّها له حارة.
ما ذا يمكن أن يقال غير أنّ الضّمير الأخلاقي في هذه الظّروف يعتبر أنّ مهمته لما تنته؟
ومهما يكن عدلا ذلك العفو الّذي يمنحه إياه مشاهد محايد ، يراعي القدرة المحدودة للطبيعة الإنسانيّة ، فإنّ الأسى الّذي يشعر به الإنسان في دخيلة نفسه هو وثيقة اتهام ضد ذاته. إنّ ذلك يعني في نظره أنّ الجهد الّذي بذله ما زالت فيه نقائص ، وكأنّما كان بوسعه أن يبذل أقصى جهده كيما يبلغ هدفه.
ولكن مهما يكن الإفتراض ، وحتّى في الحالة الّتي ينبغي فيها أن نعذر الإرادة الطّيبة المعوقة ـ هل يكون لنا الحقّ في أن نرى في هذه الحالة العاجزة نموذج العمل الأخلاقي الكامل؟ ..
الحقّ أنّه يجب علينا من وجهة نظر حقّ العفو أن نثبت فرقا في الدّرجة بين ضرورة العنصر الباطني ، وضرورة التّعبير المادي عنه. ذلك أنّ رضا الإرادة شرط
__________________
(١) الدّشّ : ليست بلغة ، ولكنها لكنه. انظر ، لسان العرب : ٦ / ٢٠٢.