الغريزة ، ولا ذوق الفن ، من مبادىء الأخلاق ، ولا يمكن أن تكون كذلك ، وأقصى ما يمكن أن تبلغه هو أن نظل معها في مستوى البراءة. ولن يكون الأمر على هذه الحال لو أننا تصورنا هذا الكمال في النّفس ، والعقل ، لا كتلبية لحاجاتنا ، أو أذواقنا ، بل في علاقته بالقاعدة الأخلاقية ، سواء من حيث هو أداء لواجب ، أو من حيث هو كفاءة كبرى على أدائه.
وهكذا نستطيع أن نستنتج ، برغم التّناقض الّذي نواجهه في إثبات الإستنتاج ـ أنّ جميع الغايات الذاتية المشروعة ، مهما اختلفت في ذاتها ، لا تختلف بوصفها كذلك ، على صعيد النّيّة. ولما كانت قيمتها من هذه النّاحية نسبية ، ومشروطة ، فإنّ المبدأ الأخير للأخلاقية يجب أن يبحث عنه في غاية موضوعية ثابتة ، تخضع لها الإرادة دائما وتخلص.
من أجل هذا لا نجد في الآيات الّتي يمجد القرآن بها صنائع الإحسان ، يؤديها المتصدقون ، بنّيّة تثبيت أنفسهم ـ لا نجد هذا الهدف المذكور إلّا في المحل الثّاني ، وبوصفه عنوانا فرعيا ؛ إذ كانت النّيّة الأساسية ابتغاء وجه الله ، وكسبا لمرضاته ، ولاحظ ذلك في قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ) (١).
لقد كان المكي إذن على حقّ في قوله ، وإن كان حديثه عابرا ، ولم يكن فيه ملحا على مضمونه ، قال : «فتكون نيّته في ذلك صلاحا لقلبه ، وإسكان نفسه ،
__________________
(١) البقرة : ٢٦٥.