(يفعل ، فعل) لأنك تقول : إن زرتني زرتك وإن تزرني أزرك ، والمعنى واحد.
ثم قال : أخبر الله تعالى عن هؤلاء الكفار الذين وصفهم بأنهم كذبوا بآيات الله وجحدوا رسوله وأنه سيأتيهم فيما بعد ، يعني يوم القيامة أخبار (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وإنما خص المكذب بإتيان الأنباء ، مع أنها تأتي المصدق والمكذب ، من حيث أن المكذب يعلم بها بعد أن كان جاهلا. والمصدق كان عالما بها ، فلذلك حسن وعيد المكذب بها ، لأن حاله يتغير إلى الحسرة والندم. والاستهزاء السخرية ، وهو طلب اللهو بما عند الطالب صغير القدر.
ثم قال (أَوَلَمْ يَرَوْا) هؤلاء الكفار (إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) من أنواع النبات ، فيستدلوا على توحيده ، بأن يعلموا أن ذلك لا يقدر عليه غيره. ولا يتأتى من سواه ، ممن هو قادر بقدرة ، لأنه لو تأتي من غيره لتأتي منا لأنا قادرون أيضا بقدرة ، فلما استحال منا علمنا استحالة ذلك ممن يجري مجرانا ، فإذا الفاعل لذلك مخالف لنا ، وأنه قادر لنفسه.
ثم أخبر تعالى أن فيما ذكره من إنبات النبات من كل زوج كريم ، لدلالة لمن يستدل بها ، ومن يتمكن من ذلك ، وإن أكثر الكفار لا يصدقون بذلك ، ولا يعترفون به عنادا وتقليدا لأسلافهم ، وحبا للراحة ، وهربا من مشقة التكليف ومعنى (كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) يعني مما يأكل الناس والأنعام ... وقيل : من الشيء ومشاكله في الانتفاع به. وقيل : من كل زوج كريم من أنواع تكرم عند أهلها. وقيل : من كل نوع معه قرينة من أبيض وأحمر وأصفر. وحلو وحامض ، وروائح وغير ذلك مختلفة. ثم قال : (وَإِنَّ رَبَّكَ) يا محمّد (لَهُوَ الْعَزِيزُ) الغني القادر الذي لا يعجز ولا يغلب (الرَّحِيمُ) أي المنع م على عباده بأنواع النعم التي ذكرها (١).
__________________
(١) التبيان : ج ٨ ، ص ٧ ـ ٨.