إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) أي : مختلق مفتعل ، لم يبن على أصل صحيح ، لأنه حيلة توهم خلاف الحقيقة. فوصفوا الآيات بالسحر والاختلاف على هذا المعنى ، جهلا منهم ، وذهابا عن الصواب.
(وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) أي : لم نسمع ما يدعيه ويدعو إليه في آبائنا الذين كانوا قبلنا. وإنما قالوا ذلك مع اشتهار قصة نوح وهود وصالح ، وغيرهم من النبيين الذين دعوا إلى توحيد الله ، وإخلاص عبادته ، لأحد أمرين : إما للفترة التي دخلت بين الوقتين ، والزمان الطويل. وأما لأن آبائهم ما صدقوا بشيء من ذلك ، ولا دانوا به ، فيكون المعنى : ما سمعنا بآبائنا أنهم صدقوا الرسل فيما جاءوا به. ووجه شبهتهم في ذلك أنهم قالوا إنهم الكبراء. فلو كان حقا لأدركوه ، فإنه لا يجوز أن يدرك الحق الأنقص في الرأي والعقل ، ولا يدركه الأفضل فيهما. وهذا غلط لأن ما طريقه الاستدلال ، لا يمتنع أن يصيبه الأدون في الرأي إذا سلك طريقه ، ولا يصيبه الأكمل في الرأي إذا لم يسلك طريقه.
(وَقالَ مُوسى) مجيبا لهم (رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) ومعناه : ربّي يعلم أني جئت بهذه الآيات الدالة على الهدى من عنده ، فهو شاهد لي على ذلك إن كذبتموني ، ويعلم أن العاقبة الحميدة لنا ، ولأهل الحق والإنصاف. وهذا كما يقال على سبيل المظاهرة : الله أعلم بالمحق منا والمبطل. وحجتي ظاهرة فأكثرها إن قدرت على ذلك. (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أي : لا يفوز بالخير من ظلم نفسه ، وعصى ربه ، وكفر نعمه (١).
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٣٩.