ضيافتي (أَلَيْسَ مِنْكُمْ)(١) يا قوم (رَجُلٌ رَشِيدٌ)(٢) أي حليم ، يأمركم بالمعروف ، وينهاكم عن المنكر؟ فقالوا له : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ)(٣) ، أي من حاجة ، ولا شهوة لنا فيهنّ (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ)(٤) ، يعني عملهم الخبيث ، وهو إتيان الذكور.
ثمّ كسروا الباب ودخلوا ، فقالوا : يا لوط (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ)(٥)؟ ، يعني عن الناس أجمعين ـ قال ـ فوقف لوط على الباب دون أضيافه ، وقال : والله لا أسلم أضيافي إليكم وفيّ عرق يضرب دون أن تذهب نفسي ، أو لا أقدر على شيء ، وذلك معنى قوله تعالى : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ)(٦) ، فتقدّم بعضهم إليه ، فلطم وجهه ، وأخذ بلحيته ، ودفعه عن الباب ، فعند ذلك قال لوط : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) ـ قال ـ فرفع لوط عليهالسلام رأسه إلى السّماء ، وقال : إلهي خذ لي من قومي حقّي ، والعنهم لعنا كثيرا ، فقال جبرئيل لإسرافيل : هذه الرابعة.
ثم قال جبرئيل : (يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ)(٧) فأبشر ، ولا تحزن علينا. فهجم القوم عليه ، وهم يقولون : (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) ، أي لا تؤوي ضيفا ، فرأوا جمال القوم وحسن وجوههم ، فبادروا نحوهم ، فطمس الله على أعينهم ، وإذا هم عمي لا يبصرون ، وصارت وجوههم كالقار ، وهم يدورون ووجوههم تضرب الحيطان ، فذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ)(٨) ـ قال ـ وإذا نفر آخرون قد لحقوا بهم ، ونادوهم : إن كنتم قضيتم شهوتكم منهم ، فاخرجوا حتى ندخل
__________________
(١) هود : ٧٨.
(٢) هود : ٧٨.
(٣) هود : ٧٩.
(٤) هود : ٧٩.
(٥) الحجر : ٧٠.
(٦) هود : ٨٠.
(٧) هود : ٨١.
(٨) القمر : ٣٧.