والرحمة : الشفقة.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : في خلق الأزواج مشاكلة للرجال (لَآياتٍ) أي : لدلالات واضحات (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) في ذلك ، ويعتبرون به. ثم نبه سبحانه على آية أخرى ، فقال : (وَمِنْ آياتِهِ) الدالة على توحيده (خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وما فيهما من عجائب خلقه ، وبدائع صنعه ، مثل ما في السموات من النجوم والشمس والقمر ، وجريها في مجاريها على غاية ، الاتساق والنظام ، وما في الأرض من أنواع الجماد والنبات والحيوان ، المخلوقة على وجه الإحكام. (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) فالألسنة جمع لسان ، واختلافها هو أن ينشئها الله تعالى مختلفة في الشكل والهيئة والتركيب ، فتختلف نغماتها وأصواتها ، حتى إنه لا يشتبه صوتان من نفسين هما إخوان. وقيل : إن اختلاف الألسنة هو اختلاف اللغات من العربية والعجمية وغيرهما. ولا شيء من الحيوانات تتفاوت لغاتها ، كتفاوت لغات الإنسان ، فإن كانت اللغات توقيفا من قبل الله تعالى ، فهو الذي فعلها وابتدأها. وإن كانت مواضعة من قبل العباد ، فهو الذي يسرها.
ـ أقول : وقال أبو عبد الله عليهالسلام لعبد الله بن سليمان ـ بعد ما سأله عن الإمام وهل فوّض الله إليه كما فوّض إلى سليمان بن داود؟ ـ في حديث طويل ـ : «نعم ، إنّ الإمام إذا أبصر إلى الرجل عرفه ، وعرف لونه ، وإن سمع كلامه من خلف حائط عرفه ، وعرف ما هو ، إنّ الله يقول : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) ، وهم العلماء ، فليس يسمع شيئا من الأمر ينطق به إلّا عرفه ناج أو هالك ، فلذلك يجيبهم بالذي يجيبهم» (١).
__________________
(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٦٤ ، ح ٣.