ذكر الأدلة فقال : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) أي : من نطف. وقيل : معناه خلقكم أطفالا لا تقدرون على البطش ، والمشي ، والتصرفات. (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) أي : شبابا. (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) يعني : حال الشيخوخة ، والكبر (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) من ضعف وقوة (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بما فيه مصالح خلقه (الْقَدِيرُ) على فعله بحسب ما يعلمه من المصلحة. ثم بين سبحانه حال البعث فقال : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ) أي : يحلف المشركون (ما لَبِثُوا) في القبور (غَيْرَ ساعَةٍ) واحدة. وقيل : يحلفون ما مكثوا في الدنيا غير ساعة لاستقلالهم مدة الدنيا. وقيل : يحلفون ما لبثوا بعد انقطاع عذاب القبر غير ساعة. ومتى قيل : كيف يحلفون كاذبين مع أن معارفهم في الآخرة ضرورية؟ قيل فيه أقوال.
أحدها : إنهم حلفوا على الظن ، ولم يعلموا لبثهم في القبور ، فكأنهم قالوا : ما لبثنا غير ساعة في ظنوننا.
وثانيها : إنهم استقلوا الدنيا لما عاينوا من أمر الآخرة ، فكأنهم قالوا : ما الدنيا في الآخرة إلا ساعة ، فاستقلوا حيث اشتغلوا في المدة اليسيرة بما أوردهم تلك الأهوال الكثيرة.
وثالثها : إن ذلك يجوز أن يقع منهم قبل إكمال عقولهم. (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) في دار الدنيا أي : يكذبون. وقيل : يصرفون. صرفهم جهلهم عن الحق في الدارين. ومن استدل في هذه الآية على نفي عذاب القبر ، فقد أبعد لما بينا أنه يجوز أن يريدوا أنهم. لم يلبثوا بعد عذاب الله إلا ساعة (١).
وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) يعني من نطفة منتنة ضعيفة (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٧٠ ـ ٧١.