النطفة التي ممّا أخذ عليها الميثاق في صلب آدم ، أو ما يبدو له فيه ، ويجعلها في الرّحم ، حرّك الرّجل للجماع ، وأوحى إلى الرّحم : أن افتحي بابك حتى يلج فيك خلقي ، وقضائي النافذ ، وقدري ، فتفتح الرّحم بابها ، فتصل النطفة إلى الرّحم (١) ، فتردّد فيه أربعين يوما ، ثم تصير علقة أربعين يوما ، ثمّ تصير مضغة أربعين يوما ، ثم تصير لحما تجري فيه عروق مشتبكة.
ثم يبعث الله ملكين خلاقين ، يخلقان في الأرحام ما يشاء ، فيقتحمان في بطن المرأة ، من فم المرأة ، فيصلان إلى الرّحم ، وفيها الروح القديمة المنقولة في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فينفخان فيها روح الحياة والبقاء ، ويشقان له السّمع والبصر وجميع الجوارح ، وجميع ما في البطن ، بإذن الله تعالى (٢).
ثمّ يوحي الله إلى الملكين : اكتبا عليه قضائي ، وقدري ، ونافذ أمري ، واشترطا لي البداء فيما تكتبان. فيقولان : يا ربّ ، ما نكتب؟ فيوحي الله إليهما : أن ارفعا رؤوسكما إلى رأس أمه ، فيرفعان رؤوسها ، فإذا اللوح يقرع جبهة أمه ، فينظران فيه ، فيجدان في اللوح صورته ، وزينته ، وأجله ، وميثاقه ، شقيّا أو سعيدا ، وجميع شأنه ـ قال ـ فيملي أحدهما على صاحبه ، فيكتبان جميع ما في اللوح ، ويشترطان البداء فيما يكتبان ، ثمّ يختمان الكتاب ، ويجعلانه بين عينيه ، ثم يقيمانه قائما في بطن أمّه ـ قال ـ فربّما عتا فانقلب ، ولا يكون ذلك إلا في كلّ عات أو مارد.
وإذا بلغ أوان خروج الولد تامّا ، أو غير تامّ ، أوحى الله عزوجل إلى الرّحم ، أن افتحي بابك حتى يخرج خلقي إلى أرضي ، وينفذ فيه أمري ، فقد
__________________
(١) أقول : وهو قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ).
(٢) أقول : قال أبو جعفر عليهالسلام ـ في رواية أبي الجارود ـ في قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) : «فهو نفخ الروح فيه». (تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩١).