وليعلم ان الروايات الواردة في هذه القاعدة أيضا مختلفة ، بعضها ناظرة إلى المقام الأول ، وهو مقام الثبوت ، وبعضها ناظرة إلى المقام الثاني ، وهو مقام الإثبات ولا بد من إعطاء كل حقه كي لا يختلط الاحكام في فروع القاعدة ، وما يستنتج منها.
٢ ـ الأمانة في هذه الأبواب يطلق على معنيين :
الأول ما يكون في مقابل الغصب فالأمين هو الذي ليس بغاصب ، وعلى هذا المعنى المستأجر والوكيل والعامل في المضاربة والمستعير ونظائرهم أمناء ، وان لم يكونوا ثقاة لأن المفروض أنهم أخذوا المال من مالكها برضاه فليسوا بغاصبين.
الثاني : ما يكون في مقابل الخيانة ، وبعبارة أخرى يكون فيها معنى الوثاقة ، فالأمين هو الذي يثق الإنسان بقوله واخباره ، فلو شهد مثلا ان المال تلف بغير تفريط منه يعتمد على كلامه.
وروايات الباب بعضها ناظرة إلى المعنى الأول ، وبعضها الى المعنى الثاني ، ولا بد في كل مقام من التمسك بالقرائن الحالية أو المقالية.
وقد يشتبه الحال ولا يعلم ان الأمانة في الرواية بالمعنى الأول أو الثاني؟
فمن الأول ما عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليهالسلام ان أمير المؤمنين عليهالسلام أتى بصاحب حمام وضعت عنده الثياب فضاعت فلم يضمّنه ، وقال انما هو أمين (١).
ومن الثاني ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال كان أمير المؤمنين عليهالسلام يضمّن القصار والصائغ احتياطا للناس ، وكان أبي يتطوع عليه إذا كان مأمونا (٢).
فإن القصار والصائغ مأمونان بالمعنى الأول فقوله إذا كان مأمونا فهو للمعنى الثاني ، وكم لهما من نظير في أبواب الضمانات.
__________________
(١) الوسائل ج ١٣ كتاب الإجارة الباب ٢٨ الحديث ١.
(٢) الوسائل ج ١٣ كتاب الإجارة الباب ٢٩ الحديث ٤.