وان شئت اختر حال من لم تشب فطرته بأي شائبة ، أو تقاليد اجتماعية ، من الصبيان غير العارفين بما عند آبائهم وأمهاتهم من الاحكام والقوانين ، فان كلا منهم إذا ظفر بشيء ، ورآه ماله ، احتفظ به ، ورد كل من يزاحمه في ما كسبه ، ويرى لنفسه التسلط عليه بجميع أنواع التسلط ، الا ان يمنعه مانع من فطرته أو من الخارج.
بل قد يقال ان هذه الفطرة والسائقة النفسية لا تنحصر بالإنسان ، بل تشترك فيها أنواع الحيوان ، فهي تعتبر المالكية لأنفسها فيما كسبت ، وتسيطر عليها ، ولا يرى لغيره حقا في المزاحمة ، تدافع عن وكرها ، وعشها ، وطعمتها ، وغيرها مما يتعلق بها كما يدافع الإنسان عن أمواله ، بل قد يكون عندها ما يشبه الملكية التعاونية عندنا كما في النمل والنحل وغيرهما من أشباههما فهي تدافع جميعا عما تتعلق بشركائها ضد الأجانب ، وترى لنفسها السلطة على ما تزودها.
فاذا يكون حكم الشرع في هذه القاعدة من قبل إمضاء ما عند العقلاء ، لا تأسيس قاعدة حديثة جديدة ، مما ليس عندهم ، كما هو كذلك في أكثر ما عند الشرع في أبواب المعاملات أو في جميعها ، وان ورد فيها شرائط خاصة ، وقيود مختلفة لهذا الإمضاء ، دفعا لهم عن مفاسد كثيرة لا يعلمونها ، ولا يهتدى إليها عقولهم ، أو ما يعلمونه ولا يعتنون به اتباعا لا هوائهم وغفلة عما فيه صلاحهم وفسادهم.
فاذا لا يبقى شك في عموم هذه القاعدة لجميع الأموال ، وجميع الناس ، وان كان هذا العموم مشروطا بشرائط وقيود كثيرة واستثنائات مختلفه ، ولا ينافي ذلك وجود المالكية العامة في الشرع بالنسبة إلى أموال أخر.
ولا بأس بالإشارة هنا الى نبذ مما يدل على مالكية كل إنسان لما كسبه ، من طرق مشروعة ، ونفوذ تصرفاته فيه ، وعدم جواز مزاحمته بغير إذنه ، التي تدل بالدلالة الالتزامية البيّنة على ثبوت قاعدة التسلط ومضيها.
ومما يجب ذكره قبلا انه قلما يوجد في لسان أدلة الشرع تعرض صريح لأصل