وقد حرّمها الله. فكان أكثر شيء أكفئ من ذلك يومئذ من الأشربة : الفضيخ ، ولا أعلم أكفئ يومئذ من خمر العنب شيء إلّا إناء واحد كان فيه زبيب وتمر جميعا ، وأمّا عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شيء ... وسمّي المسجد الذي قعد فيه رسول الله يوم اكفئت المشربة : مسجد الفضيخ من يومئذ لأنّه كان أكثر شيء أكفئ من الأشربة (١).
قال : فلمّا نزل تحريم الخمر والميسر والتشديد في أمرهما قال الناس من المهاجرين والأنصار : يا رسول الله ، قتل أصحابنا وهم يشربون الخمر ، وقد سماه الله رجسا وجعله من عمل الشيطان ، وقد قلت ما قلت ، أفيضرّ أصحابنا ذلك شيئا بعد ما ماتوا؟ فأنزل الله : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(٢). فهذا لمن مات أو قتل قبل تحريم الخمر ، والجناح على من شربها بعد التحريم (٣).
وروى العياشي في تفسيره عن أبي الصباح الكناني قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام :
أرأيت رسول الله كيف كان يضرب في الخمر؟ فقال : كان يضرب بالنعال ، ويزيد كلّما اتي بالشارب ، ثمّ لم يزل الناس يزيدون حتى وقف على ثمانين (جلدة) (٤).
__________________
(١) هذا ، وقد مرّ في خبر بني النضير ومضرب خباء النبيّ لحربهم : أنّ جمعاً من الانصار كانوا قد اجتمعوا في الموضع يشربون نبيذ التمر (الفضيخ) فيه ، فبلغهم تشديد التحريم فأراقوا قربتهم ، وفيما بعد بنوا فيه مسجداً سمّوه مسجد الفضيخ ، وهو أوجه.
(٢) المائدة : ٩٣.
(٣) تفسير القمي ١ : ١٨٠ ـ ١٨٢.
(٤) تفسير العيّاشي ١ : ٣٤٠ و ٣٤١.