رآه المقوقس أمر باحضاره بين يديه. فلما جيء به نظر الى الكتاب وفضه وقرأه ، ثم قال لحاطب : إن كان نبيا فما منعه أن يدعو على من خالفه وأخرجه من بلده الى غيرها أن يسلّط عليهم؟
فقال حاطب : ألست تشهد أن عيسى بن مريم رسول الله؟ فماله حيث أخذه قومه فأرادوا أن يقتلوه أن لا يكون دعا عليهم أن يهلكهم الله ـ تعالى ـ حتى رفعه الله إليه؟
فقال المقوقس : أحسنت ، أنت حكيم من عند حكيم (١).
ثم قال له حاطب : إنّه كان قبلك من يزعم أنه الربّ الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والاولى ، فانتقم به ثم انتقم منه ، فاعتبر بغيرك ولا يعتبر غيرك بك. إنّ هذا النبيّ دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له يهود وأقربهم منه النصارى ، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلّا كبشارة عيسى بمحمد ، وما دعاؤنا إيّاك الى القرآن إلّا كدعائك أهل التوراة الى الانجيل. وكل نبيّ أدرك قوما فهم امّته فالحق عليهم أن يطيعوه ، وأنت ممن أدرك هذا النبيّ ، ولسنا ننهاك عن دين المسيح بل نأمرك به (٢).
فقال المقوقس : إنّي نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود عنه ولا ينهي عن مرغوب فيه ، ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكذّاب ، ووجدت معه آلة النبوة باخراج الخبأ (المستور) والإخبار بالنجوى وسأنظر.
ثم أخذ الكتاب وجعله في حق وختم عليه ودفعه الى جاريته (٣).
__________________
(١) الاستيعاب في ترجمة حاطب ، وسائر المصادر في مكاتيب الرسول ١ : ٩٨ ، ٩٩.
(٢) سيرة زيني دحلان ٣ : ٧٠ والحلبية ٣ : ٢٨١ ، وفي مكاتيب الرسول ١ : ٩٩.
(٣) الطبقات الكبرى ١ : ٢٦٠ وسائر المصادر في مكاتيب الرسول ١ : ٩٩ وهذا الامر من