اندفاعه بالعمومات والإطلاقات المذكورة وإلاّ فاللازم الرجوع إليها.
ومنه يظهر سقوط ذلك القول البتة.
وكذا القولان الآخران ، إذا لا وجه لردّ أحد المتعارضين مع تساويهما في استجماع شرائط الحجيّة.
فلم يبق إلاّ القول الأوّل وهو الصحيح المعقول ، لأنّه إن قلنا بأنّ مراد القائلين به هو المعنى الأوّل وليس في المسألة قول بالتخيير بالمعنى الّذي ذكرناه ـ أي كون المسافر مخيّرا في جعل حدّ الترخص كلا منهما شاء ـ فيتّجه هذا القول البتّة ، إذ بعد الاتّفاق على انتفاء التخيير في موضع التعارض يرفع اليد عن المتعارضين ويرجع إلى العمومات.
وإن كان مرادهم المعنى الثاني ولم يكن التخيير منافيا للإجماع اتّجه ذلك القول جدّا أيضا ، لأنّه المناص عند التعارض.
فإن قيل : هذا إنّما يتمّ على ما ادّعيت من تساوي المتعارضين في شرائط الحجية ، وليس كذلك ، لأنّ من جملة الشرائط عدم الإجمال ، والصحيحة الأولى مجملة من وجهين :
أحدهما : أنّ المذكور فيها : « توارى عن البيوت » ولا معنى للتواري عن البيت إلاّ بتقدير الأهل حتى يكون من باب مجاز الحذف ، أو المراد تواريه عن البيوت كما فهمه الأصحاب وهذا أيضا مجاز ، وليس أحد المجازين أولى من الآخر وبين مقتضاهما بون بعيد ، فإنّ الإنسان يتوارى عن أهل البيت ببعد ميل ولا يتوارى البيت عنه بفرسخ.
وثانيهما : أنّه على التقديرين يمكن أن يراد تواري الشبح كما قيل (١) ، أو الهيئة بأن يتميّز هذا البيت أنّه بيت فلان وجداره من الطين أو اللبنة أو الحجر أو الجصّ ، وهذا الشخص أنّه راكب أو راجل قصير أو طويل زيد أو عمرو ، ولا دليل
__________________
(١) الرياض ١ : ٢٥٤.