النفس الأمريّة أوّلا وبالذات ، ويكون الأمر بالفعل من حيث كونه وصلة إليه. وهذا معنى قولهم : إن الواجبات السمعيّة إنّما وجبت لكونها ألطافا في الواجبات العقليّة ولو بالإجمال ؛ حيث إن العقل يحكم بلزوم ما أوجبه الشارع من حيث اشتماله على ما يجب تحصيله في حكم العقل.
وإن شئت تقرير الدليل على معنى آخر لقولهم فقل : إنه لا شكّ في كون العنوان في الواجب السّمعي الذي أوجب وجوبه كونه لطفا ومقرّبا إلى المستقلاّت العقليّة التي يحكم العقل بها تفصيلا مع قطع النظر عن الأحكام الشرعيّة السمعيّة كردّ الوديعة ونحوه ؛ من حيث إن إيجاب فعل الواجبات تكميل النفوس الموجب للتنزّه عن القبائح والمنكرات العقليّة كما يدل عليه قوله تبارك وتعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (١) فالواجب أوّلا هو تحصيل اللطف فإذا لم يعلم تحصيل المصلحة أو اللطف بفعل الأقلّ ، فيجب في حكم العقل الإتيان بالأكثر من حيث كونه محصّلا يقينيّا لهما ؛ ضرورة لزوم تحصيل المأمور به على سبيل الجزم واليقين وعدم جواز الاكتفاء باحتمال حصوله ولم يخالف فيه أحد من العلماء والعقلاء وسيجيء الاعتراف به من شيخنا الأستاذ العلاّمة قدسسره في المسألة الرابعة (٢) ؛ فإن مرجع الدليل المذكور إلى رجوع الشبهة الحكميّة دائما إلى الشبهة
__________________
(١) العنكبوت : ٤٥.
(٢) انظر فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٥٢.