وأمّا وجه الثاني : فهو مبنيّ على منع تنجّز التكليف بالواقع الذي ليس هناك طريق في علم الله لمعرفته ، وإنّما المنجّز في حقّه مفاد الطريق الذي يعثر عليه بعد الفحص في علم الله ؛ حيث إن مفاده حكم شرعي إلهيّ وإن كان ظاهريّا ؛ لعدم الفرق في وجوب إطاعة الله بين أحكامه الإلزامية.
ومنه يظهر الوجه لخامس الوجوه ؛ حيث إن ما كان من الطريق مبناه على الطريقيّة المحضة يكون الأمر بالعمل به ممحّضا في الإرشاد ، فلا أثر لمخالفته إلاّ من حيث مخالفة الواقع المتحققة بسببها ، بخلاف ما كان مبناه على ملاحظة المصلحة ؛ فإن له مطلوبيّة حسب اقتضاء المصلحة فيكون سلوكه مطلوبا في نفسه ، فلا محالة يكون لمخالفته تأثير مع قطع النظر عن مخالفة الواقع.
وأمّا وجه الثالث : فهو كون كل من التكليف الفرعي المتعلّق بنفس الواقع والتكليف الأصولي المتعلّق بالطريق الذي يعبّر عنه بالحكم الظاهري حكما إلزاميّا إلهيّا منجّزا على المكلّف بمجرّد الالتفات والقدرة على الفعل ولو بالاحتياط ، أو الاطلاع عليه بالفحص عنه والعمل بمقتضاه. فإذا خالف أحدهما فيلزمه استحقاق العقاب عليه. كما أنه لو فرض مخالفتهما استحقّ عقابين ، ولو فرض عدم مخالفة شيء منهما لم يستحق عقابا أصلا.
وهذا معنى كفاية مخالفة أحدهما في استحقاق المؤاخذة ، ولا ينافي الحكم باستحقاق العقوبة على مخالفة الحكم الأصولي كونه ظاهريّا ومجعولا في موضوع الجهل بالواقع ؛ فإنه وإن كان ظاهريّا بهذه الملاحظة ، إلاّ أنّه واقعي ومتحقّق في موضوعه في نفس الأمر أيضا كالواقع الأوّلي.