جهة أخرى » (١). انتهى ما أردنا نقله من كلامه رفع مقامه.
وجعله أصالة تقدّم الحادث قسما في مقابل أصل العدم إنّما هو بملاحظة كون جريان الأصل فيما كان الشكّ في أصل وجود الشيء ، وفي الثاني فيما كان الشكّ في صفته من حيث التقدّم والتأخر بحسب زمانه ، أو بالإضافة إلى موجود آخر وإن كان في الحقيقة قسما من الأوّل ؛ حيث إنّ الأصل يجري حقيقته في وجوده ، فيحكم بعدمه في زمان الشكّ.
ومراده ممّا أفاده قدسسره : من أن الثابت بالأصلين وبسائر الأصول العدميّة من البراءة وغيرها هو مجرّد النفي دون الإثبات ، هو : أن مفادها في حكم الوجدان والشرع ذلك ليس إلاّ ؛ حيث إن معنى حكم الشارع بالبناء على عدم الشيء عند الشكّ في وجوده هو الحكم بعدمه عند الشكّ ، لا الحكم بوجود شيء آخر وإن كان لازما له ، وكذلك حكمه بالبناء على براءته عن التكليف المشكوك ليس إلاّ مجرّد الحكم بعدم وجوبه على المكلّف ، لا وجوب شيء آخر عليه.
فلو كان الحكم بعدمه ملازما لوجود آخر ، فلا بدّ من عدم الحكم بالعدم كما في الشبهة المحصورة ، ولأجله لم يذكره الأصوليّون في عداد أدلّة الأحكام ؛ حيث إن عدم الأحكام ليس حكما شرعيّا حتى يجعل مثبتة دليلا على الحكم كما هو ظاهر.
__________________
(١) المصدر السابق : ١٩٣.