دلالة الاقتضاء ، فهذه الأخبار النّاهية عن نقض اليقين بالشّك نظير حديث الرّفع. فنقول :
إنّ المراد من نسبة النّقض إلى اليقين ليس باعتبار نفسه ، بل باعتبار متعلّقه وهو المتيقّن ، أو الأحكام المترتّبة على متعلّقه في الواقع الّتي حكم بها في السّابق : من حيث تعلّق اليقين به وطريقته إليه ، وليس التّصرّف في المقام بجعل اليقين بمعنى المتيقّن حتّى يصير مجازا في الكلمة ـ كما قد يتوهّم ـ أو بتقدير الأحكام ـ كما يتخيّل على التّقدير الثّاني ـ بل بإرادتهما من نسبة النّقض إلى اليقين ، فالتّصرف إنّما هو في النّسبة كما عرفته في حديث الرّفع أيضا ، وإن كان المختار من الوجهين إرادة المتعلّق من نسبة النّقض إلى اليقين لا الأحكام كما ستقف عليه.
فبعد هذا إذا دار الأمر بين أن يجعل المتعلّق أو أحكامه عامّا ، أو يجعل المراد خصوص ما من شأنه البقاء والاستمرار لو لا الرّافع ، فلا إشكال في كون الثّاني أقرب فتعيّن الحمل عليه.
ثمّ إنّ الفرق بين المانع والرّافع والدّافع هو : أنّ الأوّل أعمّ من الأخيرين ؛ لأنّ ما يمنع وجوده عن تأثير المقتضي ابتداء يسمّى دافعا. وما يمنع وجوده عن تأثير المقتضي في الزّمان الثّاني بعد تأثيره في الزّمان الأوّل يسمّى رافعا. فالرّافع والدّافع وإن تباينا بحسب الحقيقة ، إلاّ أن كلاّ منهما فرد من المانع ؛ لأنّ رفع الموجود حقيقة بعد وجوده محال ـ حسب ما تقرّر في محلّه ـ فعدم الرّافع أيضا جزء من العلّة التّامّة للوجود ، لكن بالنّسبة إلى الوجود الثّانوي لا الأوّلي ، فكلّما يطلق الرّافع فلا يراد منه بحسب الحقيقة إلاّ هذا المعنى ؛ إذ لا حقيقة له غير هذا ؛ إذ إعدام الموجود حقيقة محال.