وقد يدفع الإيرادان : بأنّ المقصود الرّجوع إلى مقتضى الأصلين المذكورين ولو من جهة الاستناد إلى أصالة البراءة لا إجرائهما والتّمسك بهما حتّى يورد عليه بالإيراد المذكور ، وهذا وإن كان خلاف الظّاهر في باديء النّظر ، إلاّ أنّه لا مناص عنه بعد إمعان النّظر في كلامه وطريقه ( أدام الله ظلّه العالي ) فيحمل كلامه على الشّق الثّاني ممّا ذكر في الإيراد الأوّل ، مع حمله على ما ذكرنا فيبقى حكم الشّق الأوّل مسكوتا عنه في « الكتاب ».
وقد ذكر في مجلس البحث : أنّ الحكم فيه الرّجوع إلى البراءة أيضا ؛ لعدم الدّليل على حرمة تحصيل العلم بالمخالفة ، وإنّما المسلّم هي حرمة المخالفة والمفروض الشّك في حصولها.
ولكنّك خبير بتطرّق المناقشة إلى ما أفاده في المقام إن سلّم عدم حكم العقل بحرمة تحصيل العلم بالحرام فيما لم يتنجّز التّكليف به ، كما في الشّبهة الغير المحصورة ـ على القول بعدم إيجاب العلم فيها تنجّز التّكليف ـ أو في الشّبهة المحصورة فيما لم يوجب العلم تنجّز الخطاب على المكلّف ، وإن شئت تفصيل القول فيه فراجع إلى ما ذكرنا في الجزء الثّاني من التّعليقة.
ثالثها : أنّه ( دام ظلّه ) لم يستقص أقسام النّهي ؛ فإنّه قد يكون المقصود من النّهي ترك الفعل وعدمه المستمرّ بحيث يكون الفعل في جزء من الزّمان موجبا للمخالفة وترك الفعل في جميع أجزاء الزّمان امتثالا واحدا.
وبعبارة أخرى : أنّه لاحظ التّروك المتعدّدة بحسب أجزاء الزّمان شيئا واحدا بالمعنى الّذي عرفته فطلبها بالنّهي ، كما أنّه قد يلاحظ الفعل كذلك فيأمر به فيتعيّن حينئذ إجراء قاعدة الاشتغال بالنّسبة إلى زمان الشّك كما في الأمر هذا.