فلم أجد فارقاً يذكر سوى قوله في يزيد : « كان في خير سبله » عند شعوط ، بينما الموجود في العقد الفريد : « كان في خير سبيله » وأخاله الصحيح ، ومع غض النظر عن هذه الملاحظات فإنّ النص مرسل لا يُعلم من رواه ، ولا من أين نقله ابن عبد ربه ، ولم أقف عليه عند غيره فيما بحثت. ولعل الباحث المتتبع يجده فيفيدنا مشكوراً.
وإذا تجاوزنا ذلك أيضاً والإشارة إلى ظاهر أثر الصنعة عليه فنقول : إنّ النص على فرض صحته ـ وأنّى ذلك ـ فليس فيه ما يدل على فضل معاوية وابنه يزيد من جديد ، فإنّ وصف معاوية بأنّه كان ويسرّ ويبطن خلاف ما يعلن ، ويعلن غير ما يبطن ، وبذلك بلغ مراده وأحكم قياده ، فهذا وصف له بالمكر والخديعة والنفاق ، فهو بالذم أظهر منه بالمدح لأنّ ذلك من صفات المنافقين الّذين ذمّهم الله سبحانه في كتابه بقوله ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) (١).
وأمّا ما ورد من وصفه بالحلم والجود ، فأحسبه على أحسن تقدير من تزيد الرواة ، وعلى أسوء تقدير فمن غير المقبول والمعقول نسبته إلى ابن عباس للمجافاة والمنافاة مع طبيعته ، إذ كيف يمكن تصديق النص بأن ابن عباس وصف معاوية بالحلم وهو في محاوراته الّتي نيّفت على العشرين ، وهو في لقاءاته طيلة حكم معاوية لم تبدر منه يوماً بادرة رضى عليه ، ولم يقصر عن قولة حقّ يصك بها سمعه ، فيردُ معاوية أحياناً كثيرة بالتهديد والوعيد ، إلاّ انّه يصادف سيلاً يدمغه ، وحجة تقمعه ، فيتراجع مخذولاً ، فأين هو الحلم الّذي يصفه به ابن عباس فيما يزعمون؟ ألا يكفي موقف معاوية بالأمس بصفين وهو يريد قتل
____________________
(١) البقرة / ٩.