وأحسب أنّ قول قيس بن سعد الراوي عن عطاء عن معاوية الخبر عند النسائي : « والناس ينكرون هذا على معاوية » (١) قول صحيح لا مرية فيه.
والآن هلم الخطب في تفسير المشقص ، فإنّه سهم فيه نصل عريض ( يرمى به الوحش كما في القاموس ) وليس يستعمل في تقصير الشعر ، ولم يسمع أنّه استعمل إلاّ من معاوية ، وهذا أيضاً زاد في إرباك بعضهم ، لذلك قال الملا عليّ القاري في مرقاته : « وقيل : المراد به المقص وهو الأشبه في هذا المحل » (٢) (؟!) وهذا تكلف زائد بارد.
والآن وقد عرفت جانباً من التهالك على اثبات خبر معاوية ، أتدري لماذا كان ذلك؟
إنّهم يريدون تصحيح ما رووه عن معاوية عند حضور أجله أوصى أن يكفّن في ثوب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) الّذي زعموا إنّه كساه إياه ، وكان مدّخراً عنده لهذا اليوم ، وأن يجعل ما عنده من شعره وقلامة أظفاره في فمه وأنفه وعينيه وأذنيه (٣).
وروى لنا الذهبي : « قال معاوية ليزيد : إنّ أخوف ما أخاف شيئاً عملته في أمرك ، وإنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قلّم أظفاره وأخذ من شعره ، فجمعت ذلك ، فإذا مت فاحش به فمي وأنفي ... » (٤). وهذا أيضاً لم يحصل لأنّ معاوية مات وابنه يزيد بحوارين ، وتولى كفنه ودفنه الضحاك بن قيس.
فقد روى الطبري عن رجاله أنّ معاوية لمّا مات خرج الضحاك بن قيس حتى صعد المنبر وأكفان معاوية على يديه تلوح فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال :
____________________
(١) سنن النسائي ٥ / ٢٤٥ المطبعة المصرية بالأزهر.
(٢) مرقاة المفاتيح ٥ / ٥٥٢ ط دار الكتب العلمية بيروت.
(٣) تاريخ ابن كثير ٨ / ١٤٣.
(٤) تاريخ الإسلام ٢ / ٣٢٣ ط القدسي بمصر.