قال : هذان ابنا عباس عبد الله يفقّه الناس ، وعبيد الله أخوه يطعم الناس ، فما أبقيا لك مكرمة.
فدعا صاحب شرطته عبد الله بن مطيع العدوي وقال له انطلق إلى ابني عباس فقل لهما : أعمدتما إلى راية ترابية (١) قد وضعها الله فنصبتماها ، بدّدا عني جمعكما ، واخرجا عني ومن انضوى إليكما من ضُلاّل أهل العراق ، وإلاّ فعلتُ وفعلتُ. فجاء ابن مطيع فبلّغ. فقال له عبد الله بن عباس : قل لابن الزبير يقول لك ابن عباس ثكلتك أمك ، والله ما يأتينا من الناس غير رجلين : رجل يطلب فقهاً ورجل يطلب فضلاً ، فأي هذين تمنع؟
وكان بالحضرة أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني فجعل يقول :
لا درَّ درُّ الليالي كيف تضحكنا |
|
منها خطوبٌ أعاجيبٌ وتبكينا |
ومثل ما تحدث الأيام من غيرٍ |
|
في ابن الزبير عن الدنيا تسلّينا |
كنا نجيء ابن عباس فيسمعنا |
|
فقهاً ويكسبنا أجراً ويهدينا |
ولا يزال عبيد اللّه مترعةٌ |
|
جفانُه مطعما ضيفاً ومسكينا |
فالبر والدين والدنيا بدارهما |
|
ننال منها الّذي نبغي إذا شينا |
إن النبيّ هو النور الّذي كشطت |
|
به عمايات ماضينا وباقينا |
ورهطه عصمة في ديننا ولهم |
|
فضل علينا وحقّ واجب فينا |
ففيم تمنعنا منهم وتمنعهم |
|
عنا وتؤذيهم فينا وتؤذينا؟ |
ولستَ فاعلم بأولاهم به رحِماً |
|
يا بن الزبير ولا أولى به دينا |
لن يؤتي الله إنساناً ببغضهم |
|
في الدين عزاً ولا في الأرض تمكينا » |
____________________
(١) منسوبة إلى أبي تراب وهي كنية الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ومن أحب كناه إليه لأن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كنّاه بها.