له : إنّك تكرم هذا الشاب وتدنيه ، وهو شاب سوء يأتي القبور فينبشها بالليالي فقال عبد الله بن عباس إذا كان ذلك فأعلموني ، قال : فخرج الشاب في بعض الليالي يتخلل القبور فأعلم عبد الله بن عباس بذلك ، فخرج لينظر ما يكون من أمره ، ووقف ناحية ينظر إليه من حيث لا يراه الشاب ، قال : فدخل قبراً قد حفر ، ثمّ اضطجع في اللحود ونادى بأعلا صوته : يا ويحي إذا دخلت لحدي وحدي ، ونطقت الأرض من تحتي ، فقالت : لا مرحباً بك ولا أهلاً ، قد كنت أبغضك وأنت على ظهري ، فكيف وقد صرت في بطني ، بل ويحي إذا نظرت إلى الأنبياء وقوفاً والملائكة صفوفاً ، فمن عدلك غداً من يخلصني؟ ومن المظلومين من يستنقذني؟ ومن عذاب النار من يجيرني؟ عصيت من ليس بأهل أن يُعصى ، عاهدت ربّي مرة بعد أخرى ، فلم يجد عندي صدقاً ولا وفاءاً ، وجعل يردد هذا الكلام ويبكي ، فلمّا خرج من القبر ، التزمه ابن عباس وعانقه ثمّ قال له : نعم النباش نعم النباش ، ما أنبشك للذنوب والخطايا ، ثمّ تفرقا » (١).
١٥ ـ ذكر التوحيدي في البصائر والذخائر : « إنّ عبد الله بن عباس أرعى رجلاً من العرب أبلاً له فأسمنها وردّها كأنها قصور أو عذارى حور ، فقال : كيف تراها ، فقال الراعي تسر الناظر ، وتخصب الزائر. قال : فإنّها لك ولك أجرك ، فبكى الأعرابي ، فقال له : ما يبكيك؟ فقال : أبكي ضنّاً بهذا الوجه أن يعفّر في التراب ، فقال ابن عباس : لهذا القول أحسن من قصيدة » (٢).
____________________
(١) أمالي الصدوق / ٢٩٤ ط الحيدرية.
(٢) البصائر والذخائر للتوحيدي / ٢٠٠.