وإنّما الإشكال والخلاف في تشخيص ما هو المناط في وجوب الأغسال ؛ فإنّه ربما يدّعى أنّ ظاهر الأخبار أنّه متى تحقّقت كثرة الدم في وقتٍ ما ، كفى ذلك في وجوب الأغسال الثلاثة وإن انقطع بعد ذلك.
وفيه : ما لا يخفى.
وربما يقال : إنّ ظاهر الأخبار الواردة في الباب أنّ وظيفة كلّ حالة عند وجود تلك الحالة في وقت الصلاة ، الذي هو وقت الخطاب بتلك الوظيفة لا مطلقاً ، فلو رأت دماً كثيراً بعد الفجر ، يجب عليها غسلٌ للصبح ، ولو رأت بعد الظهر ، يجب غسلٌ للظهرين ، وبعد المغرب غسلٌ للعشاءين ، فلو رأت الدم الكثير في غير هذه الأوقات ، فلا شيء عليها.
وهذا أوهن من سابقه ؛ إذ ليس في شيء من الأخبار ما يشعر باختصاص سببيّة الاستحاضة للغسل بما إذا حدثت في أوقات الصلاة.
وقد يقال : إنّ الأظهر في معنى الأخبار أنّه متى تحقّق الدم الكثير لم تجز الصلاة معه إلّا بغسلٍ ، فإذا اغتسلت ، ارتفع أثره ، فلها أن تصلّي بعده ما شاءت لو لم تر الدم الكثير في أثناء الغسل أو بعده ، وإلّا فلا أثر لما تراه في الأثناء أو بعده بالنسبة أليما يغتسل له ، فإنّه معفوّ عنه بالنسبة إليه دون غيره من العبادات.
أقول : وهذا المعنى هو الأوفق بما استظهرناه من الروايات عند التكلّم في حكم المتوسّطة.
لكن قد تشتّتت كلمات الأعلام في المقام ، بل في جملة من أحكام المستحاضة ، ولا أرى أوثق في مثل المقام من الرجوع أوّلاً إلى أخبار الباب بعد الإغماض عن كلمات القوم ، والأخذ بمفادها بعد الجمع