أقول : احتمال التورية في هذه الرواية قويّ جدّاً حيث إنّه عليهالسلام أجمل حكمها أوّلاً وقال : «كما كانت تكون مع ما مضى من أولادها» ولمّا قال السائل : لم تلد فيما مضى ، قال : «بين الأربعين والخمسين» فلا يبعد أن يكون مقصوده عليهالسلام من التحديد بما بين الأربعين والخمسين التحديد بالعشرة الواقعة بينهما ، فمراده أنّ النفاس لا يتجاوز العشرة.
ونظير هذه الأخبار روايةُ ليث المرادي ، المتقدّمة في صدر المبحث (١) ، الدالّة على أنّه ليس للنفاس حدّ ، وقد عرفت بُعْد حملها على إرادة نفي الحدّ من طرف القلّة ؛ لمخالفته لظاهر السؤال ، اللهم إلّا أن يكون توريةً لأجل التقيّة.
وممّا يؤيّد كون هذه الأخبار بأسرها تقيّةً ما عدا الأخبار الآمرة بالرجوع إلى عادتها : شدّة الحاجة إلى التقيّة بالنسبة إلى النفساء التي لا يختفى أمرها غالباً ، بل يطّلع على عملها عادة لو عملت عمل المستحاضة أغلب نسائها.
وكيف كان فهذه الأخبار ممّا يجب ردّ علمها إلى أهله ، والمتعيّن في المقام هو الأخذ بمفاد الأخبار المتقدّمة الآمرة بالرجوع إلى عادتها ، التي عرفت دلالتها بواسطة جملة من القرائن الداخليّة والخارجيّة على كون النفاس كالحيض من حيث العدد ، كما صرّح به في مرسلة المفيد ، فيختصّ النفاس بأيّام العادة لو تجاوز العشرة ، وإلّا فالكلّ نفاس.
فما يظهر من بعضٍ (٢) من أنّ الدم المتجاوز عن العادة مطلقاً
__________________
(١) في ص ٣٥٧.
(٢) انظر : جواهر الكلام ٣ : ٣٨٦.