وكيف كان فما ذكره من التفصيل ضعيف جدّا ، خصوصا مع إطلاق كلمات الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة واستقرار سيرة المتشرّعة على عدم الالتزام بتطهير ظاهر اللحم ، بل تعسّره أو تعذّره بالنسبة إلى الشحم ونحوه ، إلّا بطرح الجزء المتلوّث به.
نعم ، ما ذكره وجها للتفصيل يصلح فارقا بين المتّصل باللحم المستهلك فيه التابع له في إطلاق اسم أكل اللحم ، وبين المنفصل عنه المستقلّ بالاسم الذي يصدق على أكله أكل الدم في حلّيّة أكله وحرمته بعد فرض طهارته ، فإنّ الحرام عند استهلاكه في غيره ـ كالتراب الممتزج بالحنطة المستهلك فيها ـ لا أثر له ، بخلاف النجس ، فإنّه لا يستهلك ولا يتبع غيره في الحلّيّة مع وجود عينه أصلا وإن كان في غاية القلّة ، بل هو يهلك ملاقيه ويتبعه في الحكم إذا كان برطوبة مسرية ، ومع اضمحلال عينه وانعدام موضوعه عرفا يقوم ملاقيه مقامه في الأثر ، فصحّة إطلاق اسم السمك أو اللحم المذكّى على الجملة المشتملة على الدم المستهلك فيه لا تؤثّر إلّا في إباحة أكله على تقدير طهارة الدم ، وإلّا فهو بمنزلة ما لو أصابه قطرة دم من الخارج ، كما هو واضح.
وبما ذكرنا ظهر لك أنّه لا يصحّ الاستدلال لحلّيّة الدم المتخلّف في الذبيحة من حيث هو : بالأدلّة المتقدّمة الدالّة على طهارته ، لأنّ إباحة اللحم المشتمل عليه ـ كإباحة الحنطة المشتملة على شيء يسير من التراب ـ لا تستلزم إباحة ما فيه من الدم من حيث هو ، فلا مقتضي لرفع اليد عن إطلاق قوله تعالى (إِنَّما حَرَّمَ