الحقيقة ، إذ ليس كلّ احتمال يعتنى به في مباحث الألفاظ.
ألا ترى أنّ قول القائل : «رأيت أسدا في الحمّام» لا يحمل على حقيقته بمجرّد الاحتمال المستبعد في العادة ، فكذا فيما نحن فيه.
هذا ، مع أنّه لا مقتضي للالتزام بذلك ، عدا ما حكي عن ظاهر بعض من كون العصير بعد غليانه خمرا ، كوالد الصدوق في محكيّ الرسالة (١).
وفيه : أنّه إن أريد بذلك بيان مفهوم الخمر عرفا ولغة ، فيتوجّه عليه ما أشرنا إليه من صحّة السلب عنه ما لم يتحقّق له وصف الإسكار.
ولا يصحّ إثبات هذه الصفة لمطلقه بإطلاق هذا الكلام ، لا لمجرّد كونه إخبارا عن موضوع خارجيّ عن حدس واجتهاد من غير أهل خبرته ، بل لمعارضته بظاهر من جعله قسيما للمسكر المائع ، بل صريح بعضهم حيث قسّم الأشربة المحظورة على قسمين : مسكر وغير مسكر ، وجعل العصير من أقسام غير المسكر.
وكيف كان فالظاهر أنّ والد الصدوق ونظراءه لم يقصدوا بمثل هذه العبائر بيان مفهومها العرفي ، بل غرضهم بيان ما تعلّق به الأحكام الشرعيّة من الحرمة ونحوها بحسب اجتهادهم ، فلا يكون حجّة على غير مقلّديهم ، خصوصا مع أنّ والد الصدوق كولده ممّن لا يرى النجاسة من أحكام الخمر.
وأمّا ما حكي عن المهذّب من دعوى الإجماع على كون الخمر حقيقة في
__________________
(١) راجع الهامش (١) من ص ١٩٨.