وفيه : أنّ غاية ما يمكن ادّعاؤه كون كلّ ما أوجب الشارع التجنّب عنه قذرا عنده ، لا انحصار القذر لديه فيما أوجب التجنّب عنه ، كيف! وبعض الأشياء يستحبّ التنزّه عنه ، فهو قذر لدى الشارع ، لكن لم يوجب الاجتناب عنه وعن ملاقيه إمّا لقصور المقتضي عن سببيّته للإيجاب ، أو لوجود المانع.
وأمّا ما ذكروه من أن التفريع قرينة على إرادة النجس الشرعي ، للإجماع على عدم وجوب تجنّب المساجد عن غير النجس الشرعيّ ففيه :
أوّلا : النقض بالقذارات المعنويّة الحاصلة بالجنابة والحيض ونحوهما ، فإنّ إطلاق النجس عليها ـ كإطلاق القذر والرجز والرجس ـ بلحاظ معناه اللغوي غير مستنكر ، بل شائع ، فلا مانع من أن يكون المراد بالنجس في الآية الخباثة الباطنيّة والقذارة المعنويّة الحاصلة بالشرك الذي هو أشدّ قذارة من الأحداث المانعة من دخول المساجد.
وثانيا : أنّ ما ادّعوه من الإجماع مرجعه إلى دعوى الإجماع على انحصار سبب منع المشركين من دخول المسجد الحرام في نجاستهم الظاهريّة ، وهي ممنوعة على مدّعيها أشدّ المنع ، بل المشركون يحرم دخولهم في المسجد الحرام وإن لم نقل بنجاستهم بنصّ الكتاب وإجماع المسلمين ، بل الضرورة من الدين ، المستكشفة من استقرار سيرة العامّة والخاصّة على منعهم من دخول المسجد الحرام ، بل وكذا غيره من المساجد والمناسك المخصوصة بالمسلمين من المشاهد المشرّفة وما يتعلّق بها ، لا لأجل نجاستهم من حيث هي ، بل لكفرهم الذي هو قذارة باطنيّة ونجاسة معنويّة موجبة لهتك حرمة المسجد ونحوه.