كيف! ولو كان المانع منحصرا في نجاستهم الظاهريّة من حيث هي ، لاتّجه اختصاص المنع بما إذا كانت مسرية ، لما ستعرف من أنّ الأظهر جواز إدخال النجاسة الغير المتعدّية ، مع أنّه لا يظنّ بأحد أن يلتزم بذلك ، فليتأمّل.
ثمّ لو سلّمنا دلالة الآية على النجاسة المصطلحة ، فهي أخصّ من المدّعى ، لعدم شمول المشركين لأغلب أصناف الكفّار من أهل الكتاب والمرتدّين والمنتحلين للإسلام.
وما قيل ـ من إطلاق المشرك على كلّ كافر ـ ففيه : أنّه مبنيّ على التجوّز.
وأمّا نسبة الإشراك إلى أهل الكتاب ببعض الاعتبارات ـ كما في الكتاب (١) العزيز ـ فلا تصحّح إرادتهم من إطلاق المشرك الذي لا يتبادر منه إلّا إرادة الثنويّ والوثنيّ ونحوهم ، لا مطلق من صحّ توصيفه بالإشراك ببعض الاعتبارات ، وإلّا فصدق المشرك على المرائي أوضح من صدقه على اليهود بواسطة قولهم (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) (٢) وقد أطلق عليه المشرك في جملة من الأخبار ، مع أنّه لا يعمّه الإطلاق قطعا.
هذا ، مع أنّ المتبادر من الآية ـ بشهادة سياقها ـ إرادة مشركي أهل مكّة التي أنزلت البراءة من الله ورسوله منهم ، ومنعوا من قرب المسجد الحرام ، فلا يجوز التعدّي عنهم إلّا بتنقيح المناط ، أو عدم القول بالفصل ، ولا يتمّ شيء منهما بالنسبة إلى أهل الكتاب.
__________________
(١) التوبة ٩ : ٣١.
(٢) التوبة ٩ : ٣٠.