أمّا الآيات ـ موضع البحث ـ فإنّها تشرح موقف المؤمنين إزاء حكم الله ورسوله ، فتقول (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا).
ما أجمل هذا التعبير المختصر والمفيد (سَمِعْنا وَأَطَعْنا)!
وقد وردت كلمة «إنّما» في الآية السابقة لتحصر كلام المؤمنين في عبارة (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) والواقع أن حقيقة الايمان يكمن في هاتين الكلمتين فقط.
كيف يمكن أن يرجّح شخص حكم شخص آخر على حكم الله ، وهو يعتقد بأنّ الله عالم بكلّ شيء ، ولا حاجة له بأحد ، وهو الرحمن الرحيم؟ وكيف له أن يقوم بعمل إزاء حكم الله إلّا السمع والطاعة؟
فما أحسن هذه الوسيلة لامتحان المؤمنين الحقيقيين ونجاحهم في الامتحان؟! لهذا تختتم الآية حديثها بالقول : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ولا شك في أنّ الفلاح نصيب الذي يسلّم أمره إلى الله ، ويعتقد بعدله وحكمه في حياته المادية والمعنوية.
وتابعت الآية الثّانية هذه الحقيقة بشكل أكثر عمومية ، فتقول : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) (١).
وقد وصفت هذه الآية المطيعين المتقين بالفائزين ، كما وصفت الآية السابقة الذين يرضخون لحكم الله ورسوله بالمفلحين.
وتفيد مصادر اللغة أنّ «الفوز» و «الفلاح» بمعنى واحد تقريبا ، قال الراغب الأصفهاني في مفرداته : «الفوز : الظفر بالخير مع حصول السلامة» و «الفلاح : الظفر وادراك البغية» (وفي الأصل بمعنى الشق ، وبما أنّ الأشخاص المفلحين يشقون طريقهم إلى مقصدهم ويزيلون العقبات منه أطلق الفلاح على الفوز أيضا) وبما أن
__________________
(١) أصل «يتقه» بسكون القاف وكسر الهاء «يتقه» وقد حذفت الياء منها لأنّها في حالة جزم وقد حذفت إحدى الكسرتين المتاليتين لأنّها ثقيلة للفظ.