الكلام في الآية السابقة كان عن الطاعة بشكل مطلق ، وفي الآية قبلها عن التسليم أمام حكم الله ، وأحدهما عام والآخر خاص ، فنتيجة كليهما واحدة.
وما يستحقّ الملاحظة هو أن الآية الأخيرة ذكرت ثلاثة أوصاف للفائزين : هي: طاعة الله والرّسول ، وخشية الله ، وتقوى الله.
وقال بعض المفسّرين : إنّ الطاعة ذات معنى عام ، والخشية فرعها الباطني ، والتقوى فرعها الظاهري. وقد تحدثت أوّلا عن الطاعة بشكل عامّ ، ثمّ عن باطنها وظاهرها.
وروي عن الإمام الباقر عليهالسلام في تفسير قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قال : «إنّ المعني بالآية أمير المؤمنين (علي عليهالسلام)» (١).
ولا خلاف في أنّ عليا عليهالسلام خير مصداق لهذه الآية ، وهذا هو المراد من هذا الحديث فلا يفقد الآية عموميتها.
لحن الآية التالية ـ وكذلك سبب نزولها الذي ذكرته بعض التفاسير ـ يعني أنّ بعض المنافقين تأثروا جدا على ما هم فيه ، بعد نزول الآيات السابقة والتي وجّهت اللوم الشديد إليهم ، فجاءوا إلى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأقسموا يمينا مغلظة أنّنا نسلّم أمرنا إليك ، ولهذا أجابهم القرآن بشكل حاسم (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ) إلى ميدان الجهاد ، أو يخرجوا من أموالهم وبيوتهم فقل لهم : لا حاجة إلى القسم ، وعليكم عملا اطاعة الله بصدق وإخلاص (قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).
يرى كثير من المفسّرين أنّ كلمة «ليخرجن» في هذه الآية يقصد منها الخروج للجهاد في سبيل الله ، غير أنّ المفسّرين آخرين يرون أنّها تقصد عدم التهالك على المال والحياة ، وأتباع الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أينما رحل وحلّ وطاعته.
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ، المجلد الثالث ، صفحة ٦١٦.