يكتبها.
والأخرى : أنّه يعرف القراءة والكتابة. فإذا قال : إنّني أمّي ، فهي دعوى كاذبة.
إنّهم ـ في الواقع ـ كانوا يريدون أن يفرقوا الناس عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بواسطة هذه الأكاذيب والاتهامات ، في الوقت الذي يعلم كل العقلاء الذين عاشوا مدّة في ذلك المجتمع ، أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن قد درس عند أحد ، مضافا إلى أنّه لم تكن له أية رابطة مع جماعة اليهود وأهل الكتاب. وإذا كان يستلهم من الآخرين كل يوم بكرة وعشيا ، فكيف أمكن أن يخفى على أحد؟ فضلا عن هذا ، فإن آيات القرآن كانت تنزل عليه في السفر والحضر ، بين الناس ومنفردا ، وفي كل حال.
مضافا إلى كل هذا ، كان القرآن مجموعة من التعليمات الاعتقادية ، والأحكام العملية ، والقوانين ، ومجموعة من قصص الأنبياء ، ولم تكن قصص الأنبياء لتشكل كل القرآن ، مضافا إلى أنّ ما ورد من قصص الأقوام الأولين في القرآن لم يكن له شبه لما جاء في العهدين (التوراة والإنجيل) المحرفين ، وأساطير العرب الخرافية ، لذلك لأنّ ما في العهدين مليء بالخرافات ، والقرآن منزّه عنها ، ولو وضعنا القرآن والعهدين جنبا إلى جنب ، وقايسنا بينهما ، فسوف تتجلى حقيقة الأمر جيدا. (١)
لذا فالآية الأخيرة تصرح بصيغة الرد على هذه الاتهامات الواهية ، فتقول : (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). إشارة إلى أن محتوى هذا الكتاب ، والأسرار ، المتنوعة فيه من علوم ومعارف وتاريخ الأقوام الأولين ، والقوانين والاحتياجات البشرية ، وحتى أسرار عالم الطبيعة والأخبار المستقبلية ،
__________________
(١) يعتقد جماعة من المفسّرين أنّ المراد من جملة (اكتتبها) : هو أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أراد من الآخرين أن يكتبوا له هذه الآيات ، وكذلك ، جملة (تملى عليه) مفهومها : هو أنّ أولئك كانوا يلقونها إليه ، وكان هو يحفظها. لكنّه مع الالتفات إلى أنّنا لا دليل لدينا على حمل هاتين الجملتين على خلاف الظاهر ، يكون التّفسير الذي ورد في المتن هو الأصح ، ففي الواقع إن أولئك كانوا يريدون أن يتهموا النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من هذا الطريق ، بأنّه يقرأ ويكتب ، لكنّه كان يظهر نفسه أميا عمدا.