يقول تعالى أولا : (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً). (١)
وهكذا نجد هؤلاء الكفار يتعجبون! أيّ ادعاء عظيم يدعي؟ أي كلام عجيب يقول!؟ إنّها مهزلة حقّا!
لكن يجب ألا ننسى أنّ رسول الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كان هو ذلك الشخص الذي عاش بينهم أربعين عاما قبل الرسالة ، وكان معروفا بالأمانة والصدق والذكاء والدراية ، لكنّ رؤوس الكفر تناسوا صفاته هذه حينما تعرضت منافعهم الى الخطر ، وتلقوا مسألة دعوة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بالرغم من جميع تلك الشواهد والدلائل الناطقة ـ بالسخرية والاستهزاء حتى لقد اتّهموه بالجنون.
ثمّ يواصل القرآن ذكر مقولات المشركين فينقل عن لسانهم (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) (٢).
لكن القرآن يجيبهم من عدّة طرق ، ففي البداية من خلال جملة واحدة حاسمة يرد على مقولات هذه الفئة التي ما كانت أهلا للمنطق : (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً).
يمكن أن يكون هذا العذاب إشارة إلى عذاب القيامة ، كما قال بعض المفسّرين مثل «الطبرسي» في مجمع البيان ، أو عذاب الدنيا مثل الهزيمة المنكرة يوم «بدر» وأمثالها ، كما قال «القرطبي» في تفسيره المعروف ، ويمكن أن تكون الإشارة إليهما معا.
الملفت للنظر أنّ هذه الفئة الضالة في مقولتها هذه ، وقعت في تناقض فاضح ، فمن جهة تلقت النّبي ودعوته بالسخرية ، إشارة إلى أن ادعاءه بلا أساس ولا
__________________
(١) «هزوا» مصدر ، وجاء هنا بمعنى المفعول ، وهذا الاحتمال وارد أيضا وهو أن يكون مضافا مقدارا (محل هزو) ، أيضا فالتعبير بـ «هذا» للتحقير ولتصغير النّبي.
(٢) كلمة (إن) في (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا) مخففة ، للتوكيد ، وفي تقدير «إنّه كاد» وضميرها ضمير الشأن.