يستحق أن يؤخذ مأخذ الجد ، ومن جهة أخرى أنّه لو لا تمسكهم بمذهب أجدادهم ، فمن الممكن أن ـ يؤثر عليهم كلام النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويضلّهم عن ذلك المذهب ، وهذا يدل على أنّهم كانوا يعتبرون كلامه قويا وجديا ومؤثرا ومحسوبا ، وهذا المنطق المضطرب ليس غريبا عن هؤلاء الأفراد الحيارى اللجوجين.
وكثيرا ما يرى أنّ منكري الحق حينما يقفون قبالة الأمواج المتلاطمة لمنطق القادة الإلهيين ، فإنّهم يختارون أسلوب الاستهزاء تكتيكا من أجل توهينه ودفعه ، في حين أنّهم يخالفون سلوكهم هذا في الباطن ، بل قد يأخذوه بجدية أحيانا ويقفون ضده بجميع امكاناتهم.
الجواب القرآني الثّاني على مقولاتهم ورد في الآية التي بعدها ، موجها الخطاب إلى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على سبيل المواساة وتسلية الخاطر ، وأيضا على سبيل بيان الدليل على أصل عدم قبول دعوة النّبي من قبل أولئك ، فيقول : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) فهل أنت قادر مع هذا الحال على هدايته والدفاع عنه (أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً).
يعني إذا وقف أولئك أمام دعوتك بالاستهزاء والإنكار وأنواع المخالفات ، فلم يكن ذلك لأن منطقك ضعيف ودلائلك غير مقنعة ، وفي دينك شك أو ريبة ، بل لأنّهم ليسوا أتباع العقل والمنطق ، فمعبودهم أهواؤهم النفسية ، ترى أتنتظر أن يطيعك هكذا أشخاص ، أو تستطيع أن تؤثر فيهم!؟
أقوال مختلفة للمفسرين الكبار في معنى جملة : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) : قال جماعة ـ كما قلنا آنفا ـ : إنّ المقصود أنّ لهم صنما ، ذلك هو هواهم النفسي ، وكل أعمالهم تصدر من ذلك المنبع.
في حين أنّ جماعة أخرى ترى أنّ المراد هو أنّهم لا يراعون المنطق بأي شكل في اختيارهم الأصنام ، بل إنّهم متى ما كانت تقع أعينهم على قطعة حجر ، أو شجرة جذابة ، أو شيء آخر يثير هواهم ، فإنّهم يتوهمونه «معبودا» ، فكانوا يجثون