يقول تعالى : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ).
(أضل) وإن كانت واضحة إجمالا ، لكن المفسّرين قدموا بحوثا جيدة في هذه المسألة ، وهي ـ مع تحليل وإضافات :
١ ـ إذا لم تفهم الأنعام شيئا ، وليس لها أذن سامعة وعين باصرة ، فذلك لعدم استعدادها الذاتي ، لكن الأعجز منها الإنسان الذي تكمن في وجوده خميرة جميع السعادات ، والذي أفاض الله عليه قدرا عظيما من الاستعدادات ليستطيع أن يكون خليفة الله في الأرض ، ولكن أفعاله الذميمة بلغت به حدّا أسقطته عن مستوى الأنعام ، وأذهبت كل لياقاته هدرا ، وهوى من رتبة مسجود الملائكة إلى حضيض الشياطين الذليلة. وهذا هو الأضل والمؤلم حقا.
٢ ـ الأنعام غير مسئولة تقريبا ، وليست مشمولة بالجزاء الإلهي ، في حين أنّ البشر الضالين يجب عليهم أن يحملوا عبء كل أعمالهم على عواتقهم ، ليروا جزاء أعمالهم بلا نقص أو زيادة.
٣ ـ تؤدي الأنعام للإنسان خدمات كثيرة ، وتنجز له أعمالا مختلفة ، أمّا طغاة البشر العصاة فلا تتأتى منهم أية منفعة ، بل يسببون آلافا من البلاءات والمصائب.
٤ ـ الأنعام لا خطر منها على أحد ، فإذا كان ثمّة خطر منها ، فخطر محدود ، لكن الويل من الإنسان غير المؤمن ، والمستكبر ، عابد الهوى ، الذي يؤجج أحيانا نار حرب يذهب ضحيتها الملايين من الناس.
٥ ـ إذا لم يكن للأنعام قانون ومنهج ، فإنّها تتبع مسارا عيّنه الله لها على شكل غرائز ، فهي تتحرك على ذلك الخط. أمّا الإنسان المتمرد ، فلا يعترف بقوانين تكوينية ولا قوانين تشريعية ، ويعتبر هواه وشهواته حاكما على كل شيء.
٦ ـ الأنعام لا تبرير لديها لأعمالها أصلا ، فإذا خالفت فهي المخالفة ، وإذا أرادت أن تمضي في طريقها حين تمضي فذلك هو الواقع ، أمّا الإنسان المتكبر