هذا التعبير ـ في الحقيقة ـ إشارة إلى تعطيل جميع الفعاليات الجسمانية أثناء النوم ، لأنّنا نعلم أن قسما مهما من الأفعال البدنية يتوقف كليا في حال النوم ، وقسما آخر مثل عمل القلب وجهاز التنفس يؤدي عمله بصورة وئيدة جدّا ، ويستمر بصورة أكثر هدوء كيما يرتفع التعب وتتجدد القوى.
النوم في وقته وبحسب الحاجة إليه ، مجدد لجميع طاقات البدن ، وباعث للنشاط والقوّة ، وأفضل وسيلة لهدوء الأعصاب ، بعكس الأرق خصوصا لفترة طويلة ـ فهو ضار جدّا وقد يؤدي الى الموت أيضا. ولهذا فإنّ قطع برنامج النوم واحد من أهم أساليب التعذيب حيث يحطم كل مقاومة الإنسان بسرعة.
وفي ختام الآية ، أشار تعالى إلى نعمة «النهار» فقال تعالى : (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً).
كلمة «النشور» في الأصل من النشر بمعنى البسط ، في مقابل الطي وربّما كان هذا التعبير إشارة إلى انتشار الروح في أنحاء البدن ، حين اليقظة التي تشبه الحياة بعد الموت ، أو إشارة إلى انتشار الناس في ساحة المجتمع ، والحركة للمعاش على وجه الأرض. نقرأ في حديث عن النّبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه كان يقول كل صباح : «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور». (١)
فضياء النهار من حيث روح وجسم الإنسان باعث على الحركة حقّا ، كما أن الظلام باعث على النوم والهدوء.
في عالم الطبيعة أيضا ، فإنّ الحركة والنشاط تشمل جميع الموجودات الحية ويستجد انبعاث فيها بمجرّد سطوع أوّل اشعة للشمس ، فينطلق كل واحد منها إلى سبيله ، وحتى النباتات تتنفس وتتغذى وتنموا وتنضج أمام النور ، أمّا عند مغيب الشمس ، فكأن الطبيعة تنفخ في صور انتهاء العمل والسكون ، الطيور تؤوب إلى
__________________
(١) تفسير القرطبي.