لذا فإنّ آيات قرآنية أخرى تعدّ وجود الليل والنهار ، الواحد تلو الآخر ، من النعم الإلهية العظيمة ، ففي موضع يقول تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ ، أَفَلا تَسْمَعُونَ). ويضيف مباشرة (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ). (١)
ويستنتج من هذا القول أنّ هذا النظام من رحمة الله الذي جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا وتستريحوا فيهما ، ولتستفيدوا في تحصيل المعاش من فضله ، ولعلكم تشكرون (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). (٢)
ولهذا يعد القرآن «الظل الممدود» إحدى نعم الجنّة ، حيث لا نور معش مرهق ، ولا ظلمة موحشة.
بعد ذكر نعمة الظلال ، تناول القرآن الكريم بالشرح نعمتين أخريين متناسبتين معها تناسبا تاما ، فيكشف جانبا آخر من أسرار نظام الوجود الدالة على وجود الله ، يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً).
كم هو تعبير جميل ورائع (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً ...) هذا الحجاب الظلامي الذي لا يستر الناس فقط ، بل كل الموجودات على الأرض ويحفظها كاللباس ، ويلتحفه الإنسان كالغطاء الذي يستفيد منه أثناء النوم ، أو لإيجاد الظلام.
ثمّ يشير تعالى إلى نعمة النوم (وَالنَّوْمَ سُباتاً).
«السبات» في اللغة من «سبت» (على وزن وقت) بمعنى القطع ، ثمّ جاء بمعنى تعطيل العمل للاستراحة ، ولذا فإنّ أوّل أيّام الأسبوع يسمّونه في لغة العرب «يوم السبت» وهي تسمية أخذت من طريقة اليهود ، لأنّه يوم تعطيلهم.
__________________
(١) القصص ، ٧١ و ٧٢.
(٢) القصص ، ٧٣.