إشارة إلى أن مفهوم الظل لم يكن ليتّضح لو لم تكن الشمس ، فالظل من حيث الأصل يخلق بسبب ضياء الشمس ، لأنّ «الظل» يطلق عادة على الظلمة الخفيفة اللون التي تظهر الأشياء فيها ، وهذا في حالة ما إذا أضاء النور جسما مانعا لنفوذ النور ، فإن الظل يبدو في الجهة المقابلة. بناء على هذا فليس تشخيص الظل يتم بواسطة النور طبقا لقاعدة «تعرف الأشياء بأضدادها» فقط ، بل إنّ وجوده أيضا من بركة النور.
بعد ذلك يبيّن تعالى : ثمّ إنّنا نجمعه جمعا وئيدا (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً).
من المعلوم أن الشمس حينما تطلع فإنّ الظلال تزول تدريجيا ، حتى يحين وقت الظهر حيث ينعدم الظل تماما في بعض المناطق ، لأنّ الشمس آنئذ تستقر تماما فوق رأس كل موجود ، وفي مناطق أخرى يصل إلى أقل من طول الشاخص ، ولهذا فالظل لا يظهر ولا يختفي دفعة واحدة ، وهذا نفسه حكمة الخالق ، ذلك لأنّ الانتقال من النور إلى الظلمة بشكل فجائي يكون ضارا بجميع المخلوقات. لكن هذا النظام المتدرج في هذه الحالة الانتقالية له أكبر المنفعة بالنسبة إلى الموجودات ، دون أن يكون له أي ضرر.
التعبير بـ «يسيرا» إشارة إلى انقباض الظل التدريجي ، أو إشارة إلى أن نظام النور والظلمة الخاص ، شيء يسير هين بالنسبة إلى قدرة الخالق. وكلمة (إلينا) تأكيد على هذه القدرة أيضا.
على أية حال ، لا شك أن الإنسان كما يحتاج إلى أشعة «النور» في حياته ، فهو كذلك يحتاج إلى «الظل» لتعديل ومنع «النور» أوقات اشتداده ، فكما أنّ أشعة النور المستديمة تربك الحياة ، كذلك فإنّ الظل الدائم الساكن مهلك أيضا.
في الحالة الأولى تحترق جميع الموجودات ، وفي الحالة الثّانية تنجمد جميعا ، ولكن هذا النظام المتناوب من «النور» و «الظل» هو الذي يجعل الحياة ممكنة وسائغة للإنسان.