والنبوّة على قلب نبيّ في كل قرية ، وأن يبعث لكل أمة نذيرا ، لكن الله يختار لعباده ما هو أصلح ، لأنّ تمركز النبوّة في وجود فرد واحد يكون باعثا على وحدة وانسجام الناس ، ومانعا من كل فرقة وتشتت.
ويحتمل أن بعض المشركين أوردوا هذا الاشكال وهو : ألم يكن من الأفضل أن يبعث الله نبيّا في كل مدينة وقرية؟!
لكن القرآن يقول في ردّهم : لو أراد الله ذلك لفعل ، لكن هذا التشتت ليس في صالح الأمم والشعوب قطعا.
وعلى أية حال ، فكما أن هذه الآية دليل على عظمة مقام النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فهي دليل كذلك على وجوب وحدة القائد ، وعلى ثقل عبء مسئوليته.
وبنفس هذا الدليل ، يبيّن الله تبارك وتعالى في الآية التالية ، أمرين إلهيين مهمين يشكلان منهجين أساسيين للأنبياء ، فيوجه الخطاب أوّلا إلى الرّسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقول: (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ).
لا تخط أية خطوة على طريق التوافق مع انحرافاتهم ، فإنّ التوافق مع المنحرفين آفة الدعوة إلى الله ، قف أمامهم بقوّة ، واسع إلى إصلاحهم ، لكن كن حذرا ولا تتسلم لأهوائهم وخرافاتهم.
أمّا القانون الثّاني فهو : جاهد أولئك بالقرآن : (وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً).
جهادا كبيرا بعظمة رسالتك ، وبعظمة جهاد كل الأنبياء الماضين ، الجهاد الذي يشمل جميع الأبعاد الروحية والفكرية للناس ، ويشمل كل الأصعدة المادية والمعنوية.
لا شك أن المقصود من الجهاد في هذا الموضع هو الجهاد الفكري والثقافي والتبليغي وليس الجهاد المسلح ، ذلك لأنّ هذه السورة مكية ، والأمر بالجهاد المسلح لم يكن قد نزل في مكّة. وعلى قول العلامة «الطبرسي» في مجمع البيان ، أن هذه الآية دليل واضح على أنّ الجهاد الفكري والتبليغي في مواجهة وساوس