المضلين وأعداء الحق من أكبر أنواع الجهاد.
وروي عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».
وربّما كان هذا الحديث إشارة إلى نفس هذا الجهاد وإلى عظمة ما يؤديه العلماء في التبليغ بالدين ، هذا التعبير يجسد أيضا عظمة مقام القرآن ، ذلك لأنّه وسيلة هذا الجهاد الكبير وسلاحه القاطع ، فإنّ قدرته البيانية واستدلاله وتأثيره العميق وجاذبيته فوق تصور وقدرة البشر.
الوسيلة المؤثرة والواضحة كوضوح الشمس وضياء النهار ، والمطمئنة كطمأنينة ستائر الليل ، والمحركة كحركة الرياح الخلاقة ، والعظيمة بعظمة الغيوم وفيما تبثه قطرات المطر من حياة ، حيث أشارت إلى ذلك الآيات السابقة.
وبعد فاصلة وجيزة ، يتناول القرآن الكريم مجددا الاستدلال على عظمة الخالق عن طريق بيان نعمه في النظام الكوني ، فيشير بعد ذكر المطر في الآيات السابقة إلى عدم الاختلاط بين المياه العذبة والمالحة : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً).
«مرج» من مادة «المرج» (على وزن فلج) بمعنى الخلط أو الإرسال ، وهنا بمعنى المجاورة بين الماء العذب والمالح.
«عذب» بمعنى سائغ وطيب وبارد ، و «فرات» بمعنى لذيذ وهنيء.
«ملح» بمعى مالح ، و «أجاج» بمعنى مرّ وحار. (بناء على هذا فملح وأجاج نقطتان مقابلتان لعذب وفرات).
«برزخ» بمعنى حجاب وحائل بين شيئين.
وجملة (حِجْراً مَحْجُوراً) كما أشرنا سابقا (ذيل الآية ٢٢ من هذه السورة) كانت جملة لاخذ الأمان بين العرب يقولونها عند ما يفاجؤون بشخص يخافونه ويرهبونه ، يعني (أعف عنا ، وآمنا ، وابتعد عنا).
على أية حال ، فهذه الآية تصور واحدا من المظاهر المدهشة لقدرة الخالق