يتعلق بالفرد ، وبعض آخر بالجماعة ، وهي أوّلا وآخرا مجموعة من أعلى القيم الإنسانية.
يقول تعالى : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً). (١)
إن أوّل صفة لـ : «عباد الرحمن» هو نفي الكبر والغرور والتعالي ، الذي يبدو في جميع أعمال الإنسان حتى في طريقة المشي ، لأنّ الملكات الأخلاقية تظهر نفسها في حنايا أعمال وأقوال وحركات الإنسان بحيث أن من الممكن تشخيص قسم مهم من أخلاقه ـ بدقّة ـ من أسلوب مشيته.
نعم ، إنّهم متواضعون ، والتواضع مفتاح الإيمان ، في حين يعتبر الغرور والكبر مفتاح الكفر.
لقد رأينا بأم أعيننا في الحياة اليومية ، وقرأنا مرارا في آيات القرآن أيضا ، أن المتكبرين المغرورين لم يكونوا مستعدين حتى ليصغوا إلى كلام القادة الإلهيين ، كانوا يتلقون الحقائق بالسخرية ، ولم تكن رؤيتهم أبعد من أطراف أنوفهم ، ترى أيمكن أن يجتمع الإيمان في هذه الحال مع الكبر؟!
نعم ، هؤلاء المؤمنون ، عباد ربهم الرحمن ، والعلامة الأولى لعبوديتهم هو التواضع ... التواضع الذي نفذ في جميع ذرات وجودهم ، فهو ظاهر حتى في مشيتهم.
فإذا رأينا أنّ إحدى أهم القواعد التي يأمر الله بها نبيّه هي (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً ، إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) (٢) فلنفس هذا السبب أيضا ، وهو أن التواضع روح الإيمان.
حقّا إذا كان للإنسان أدنى معرفة بنفسه وبعالم الوجود ، فسيعلم كم هو ضئيل
__________________
(١) «هون» مصدر ، وهو بمعنى الناعم والهادي المتواضع ، واستعمال المصدر في معنى اسم الفاعل هنا للتوكيد ، يعني أنّهم في ما هم عليه كأنّهم عين الهدوء والتواضع.
(٢) سورة الإسراء ، الآية ٣٧.