حيال هذا العالم الكبير ، حتى وإن كانت رقبته كالجبال ، فإن أعلى جبال الأرض أمام عظمة الأرض أقل من تعرجات قشر (النارنج) بالنسبة إليها ، تلكم الأرض التي هي نفسها لا شيء بالنسبة إلى الأفلاك العظيمة.
ترى أليست هذه الحالة من الكبر والغرور ، دليلا على الجهل المطلق!؟
نقرأ في حديث رائع عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنّه كان يعبر أحد الأزقة يوما ما ، فرأى جماعة من الناس مجتمعين ، فسألهم عن سبب ذلك فقالوا : مجنون شغل الناس بأعمال جنونية مضحكة ، فقال : رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أتريدون أن أخبركم من هو المجنون حقا ، فسكتوا وأنصتوا بكل وجودهم فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المتبختر في مشيه ، الناظر في عطفيه ، المحرك جنبيه بمنكبيه ، الذي لا يرجى خيره ولا يؤمن شرّه ، فذلك المجنون ، وهذا مبتلى!».
الصفة الثّانية لـ «عباد الرحمن» الحلم والصبر ، كما يقول القرآن في مواصلته هذه الآية (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً).
السّلام الذي هو علامة اللامبالاة المقترنة بالعظمة ، وليس الناشئ عن الضعف.
السّلام دليل عدم المقابلة بالمثل حيال الجهلة الحمقى ، سلام الوداع لأقوالهم غير المتروية ، ليس سلام التحية الذي هو علامة المحبة ورابطة الصداقة.
والخلاصة ، أنه السّلام الذي هو علامة الحلم والصبر والعظمة.
نعم ، المظهر الآخر من مظاهر عظمتهم الروحية ، هو التحمل وسعة الصدر اللذين بدونهما سوف لا يطوي أي إنسان طريق «العبودية لله» الصعب الممتلئ بالعقبات ، خصوصا في المجتمعات التي يكثر فيها الفاسدون و «مفسدون» وجهلة.
وتتناول الآية الثّانية ، خاصيتهم الثالثة التي هي العبادة الخالصة لله ، فيقول تعالى : (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً).
في عتمة الليل حيث أعين الغافلين نائمة ، وحيث لا مجال للتظاهر والرياء ،