اعتبر بعضهم «الزور» بمعنى «الشهادة بالباطل» كما قلنا أعلاه ، لأنّ «الزور» لغة بمعنى التمايل والانحراف ، وحيث أن الكذب والباطل والظلم من الانحرافات ، فإن «الزور» يطلق عليها.
هذه العبارة (شهادة الزور) في كتاب الشهادات في فقهنا ، موجودة بنفس هذا العنوان ، وقد نهي عنها في روايات متعددة ، وإن لم نرفي تلك الرّوايات استدلالا بالآية أعلاه.
التّفسير الآخر : هو أنّ المقصود من «الشهود» هو «الحضور» يعني أن عباد الرحمن لا يتواجدون في مجالس الباطل.
وفي بعض الرّوايات التي وردت عن طرق أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، فسّرت بـ «الغناء» أي تلك المجالس التي يتمّ فيها إنشاد اللهو مصحوبا بأنغام الآلات الموسيقية أو بدونها.
لا شك أنّ مراد هذا النوع من الرّوايات ليس هو تحديد مفهوم «الزور» الواسع بـ «الغناء» ، فالغناء واحد من مصاديقه البارزة إنه يشمل سائر مجالس اللهو واللعب وشرب الخمر والكذب والغيبة وأمثال ذلك.
ولا يستبعد أيضا أن يجتمع كلا التّفسيرين في معنى الآية ، وعلى هذا فعباد الرحمن لا يؤدون الشهادة الكاذبة ، ولا يشهدون مجالس اللهو والباطل والخطيئة ، ذلك لأنّ الحضور في هذه المجالس ـ فضلا عن ارتكاب الذنب ـ فإنه مقدمة لتلوث القلب والروح.
ثمّ يشير تعالى في آخر الآية إلى صفتهم الرفيعة العاشرة ، وهي امتلاك الهدف الإيجابي في الحياة ، فيقول : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً).
إنّهم لا يحضرون مجالس الباطل ، ولا يتلوثون باللغو والبطلان. ومع الالتفات إلى أن «اللغو» يشمل كل عمل لا ينطوي على هدف عقلائي ، فإن ذلك يدل على أن «عباد الرحمن» يتحرون دائما الهدف المعقول والمفيد والبناء ، وينفرون من